ينظر هذا البحث في جملة من النصوص القرآنية، في محاولة للوقوف على المنهج القرآني في الدعوة إلى الشفافية والذوق في التخاطب مع الآخرين. فالكلمة في الخطاب القرآني تقدِّم معياراً دقيقاً لرقيّ المجتمع في ميدان الفكر والثقافة والخُلُق والحضارة، ذلك أن الكلام القرآني لا يقف في روعته عند الحدود التي يقف عندها الكلام المألوف من حيث رونق اللفظ وجمال التعبير فحسب، بل هو ذوقٌ أدبيٌّ بلغ النهاية في الرفعة والسموّ، وتعبيرٌ فريد بلغ النهاية في التنسيق والحسن والجمال. يراعي الطبيعة البشرية التي يؤثّر فيها القول الحسن والكلمة الطيبة والموعظة الرقيقة، والأسلوب الليّن. فالقرآن الكريم حين يخاطب هذا الكائن البشري الذي تتمثل فيه مجموعة من المشاعر والأحاسيس، يخاطبه بكلامٍ في قمّة الأدب، فيستخدم أجمل مفردات اللغة في التعبير عن الموقف، بأدبٍ في منتهى الروعة، على سبيل الحقيقة أو المجاز أو الكناية. فيجنح أحياناً إلى المجاز حيث فيه مراعاة الأدب الرفيع، كما يلجأ إلى الكناية عندما يكون في التصريح باللفظ منافاة للأدب والذوق. فللقرآن الكريم في تربيته للذوق، وتنميته للشعور، وإرهافه للحسّ، وسموّه بالروح، أسلوبٌ انفرد به عن كل أساليب الكلام. وسأحاول في هذا البحث استنباط بعض الجوانب لشفافية الكلمة في الخطاب القرآني.