القرآن الكريم مصدر الإسلام الأول، ودستوره الخالد، ولا ريب أنَّ فهمه بشكلٍ سليم هو غاية كلّ مسلم، وهو الثمرة العلمية المرجوَّة من تدبّره، بُغية الوصول إلى الالتزام بأحكامه وتوجيهاته إيماناً وعملاً ودعوة
.ويظهر في غير موضع من كتاب الله، أنَّ الله سبحانه وتعالى حثَّنا على النظر في كتابه، وتدبّر معانيه، واستنباط أحكامه وحِكَمه. ولا شكّ أن الأمر الذي يساعد على الفهم السوي السليم للقرآن هو حُسن تفسيره بما يبيّن مقاصده ويوضح معانيه، ويكشف اللثام عمّا فيه من كنوزٍ وأسرار، ويفتح مغاليقه للعقول والقلوب ومن هنا فإننا لا نستغرب أنَّ السلف كان لهم هذا الانكباب والإقبال المنقطع النظير على تفسير كتاب الله. فقد تركوا لنا هذا الكَمّ الهائل من التراث التفسيري، والذي ما تزال مكتباتنا تزخر به في هذه الأيام. ويُلحظ للوهلة الأولى، أنَّ المفسرين تعددت مشاربهم، وتنوّعت مناهجهم، في طريقة تناولهم لتفسير كتاب الله تعالى. فمنهم من غلَب عليه جانب التفسير بالأثر كالطبري وابن كثير، أو جانب التفسير البياني كالزمخشري وأبو السعود، أو التفسير الفقهي كالقرطبي والجصاص، ونحو ذلك. فغنيٌّ عن البيان، أنَّ أكثر التفاسير القديمة، صرَفت عنايتها إلى ناحية معينة؛ كالنظر في أساليب القرآن، وما اشتمل عليه من أنواع البلاغة، أو التوسّع في بيان وجوه الإعراب ومدلولات الألفاظ واستعمالاتها، أو تتبع القصص من غير تفريق ولا تنقيح، أو استنباط الأحكام الفقهية، أو القول في أصول العقائد ومقارعة أهل الزيف والضلال، ونحو ذلك من الاتجاهات الخاصة التي يُعدُّ التوغّل فيها والانصراف إليها مدعاة للخروج عن المقصود من الكتاب الإلهي. ولا شك أن هذا التراث الذي تركه المفسرون يُعدُّ ثروة علمية، لا يمكن الاستغناء عنها، ولا بدّ لكل مطّلع على تفسير كتاب الله، أن ينظر فيها ويستخرج كنوزها، لأن ذلك مُعينٌ على حُسن الفهم، وسعة الإدراك، وبُعد النظر. ولكن على الرغم من حاجتنا الماسّة لكل هذه التفاسير، فإنَّ الأمر يتطلب وقفةً لمراجعة وتهذيب الكثير منها، لما داخلها من غثّ، ولما شابَها من كَدَر.
فحقيقٌ على مفسري كتاب الله، الذي تعهّد الله بحفظه، أن يتجاوبوا مع هذه الحقيقة، فيجنّبوا تفاسيرهم كلّ ما فيها من ريبة، ويطرحوا عنها كلّ ما شوّه جمالها وأنقص بهاءها.
Attachment | Size |
---|---|
_نقد_المنهج_السلفي_في_تفسير_القرآن.doc | 48 KB |