الاستيطان الصهيوني وعلاقته بجغرافية المواقع الأثرية والتاريخية/ مدينة نابلس كنموذج

Loay Abualsaud's picture
Published at: 
جامعة النجاح الوطنية
Year: 
2013
AttachmentSize
الصهيوني وعلاقته بجغرافية المواقع الأثرية والتاريخية مدينة نابلس كنموذج.doc59.5 KB
في البداية لا بد من الحديث عن اهتمام المؤرخين وعلماء الآثار الغربيين بفلسطين بشكل عام و الغايات المتوخاة من ذلك الاهتمام الذي تعود بداياته إلى العصر البيزنطي في القرن الرابع الميلادي، وذلك عندما توجه الإمبراطور قسطنطين وأمه هيلانه إلى فلسطين وذلك من أجل تخليد المواقع و المباني التي كانت لها علاقة بحياة السيد المسيح عليه السلام، فبنيت في تلك الفترة أول أربع كنائس مسيحية في فلسطين (كنيسة القيامة وجبل الزيتون (كنيسة الصلاة الربانية) في القدس، والمهد في بيت لحم، وممرا في الخليل)، وذلك بعد أن كانت الديانة المسيحية تعاني من اضطهاد الأباطرة الرومان الوثنيين، إذ اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية، كديانة رسمية للدولة البيزنطية . إلا أن الاهتمام الحقيقي بفلسطين بدأ أثناء الحروب الصليبية، إذ توجهت أنظار الأوروبيين نحو المباني المسيحية القديمة. وتوج هذا الاهتمام بشكل فعلي عندما أسست الكثير من الجمعيات و البعثات الأثرية التي قامت بإجراء حفريات أثرية في المواقع التي لها علاقة بالروايات المذكورة بالتوراة. و من أهم هذه الجمعيات التي لعبت دورا مهما في هذا المجال جمعية صندوق استكشاف فلسطين Palestine Exploration Fund (PEF) وتم تأسيسها في عام 1865م على يد مجموعة من الأغنياء الارستقراطيين و المثقفين البريطانيين. و في فترات لاحقة تأسست جمعيات وبعثات ومعاهد أثرية أخرى مثل: American Palestine Exploration Society عام 1870م، و French Schools for Biblical Studies عام 1892، وGerman Society of Oriental Research عام 1898م، و Amercian School of Oriental Research عام 1900. و في أوائل القرن العشرين تأسست British School of Archaeology في مدينة القدس عام 1912، و بعد ذلك بحوالي ثمانية سنوات أنشئت دائرة الآثار الفلسطينية Palestenian Archaeology Department عام 1920، بالإضافة إلى الكثير من البعثات الأثرية الأجنبية التي عملت بشكل أو بآخر خلال القرن العشرين وبخاصة في الخمسينيات و الستينيات و السبعينات من القرن المذكور. و بشكل عام كان هدف الغالبية العظمى من هذه الحفريات ربط النص التوراتي بأرض الواقع و رسم خارطة تاريخية وأثرية لفلسطين في العصور القديمة (خاصة في القرن الثاني عشر ق.م/العصر الحديدي) من أجل تبرير الحق التاريخي الصهيوني الذي يدعونه على أرض فلسطين. لقد اعترف في الوقت الحاضر الكثير من علماء الآثار اليهود و الغربيين-بعضهم مازالوا مصممين على رأيهم-بعدم نجاعة هذه الطريقة- طريقة ربط النص التوراتي بالأرض- إذ اعترفوا بعدم صحة تلك الحفريات من ناحية علمية، تماما كما اعترف نائب الرئيس الأمريكي السابق كولن باولColin Powell ، بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق بعد تنحيته من منصبه و إخفاقه في تحقيق أهداف الحرب على العراق تحت حجج وذرائع واهية، هدفها احتلال العراق وسلب موارده وثرواته. و الآن نعود إلى موضوعنا، وفي هذا المجال لا بد من طرح السؤال التالي: هل الاستيطان الصهيوني في منطقة نابلس يحدث بطريقة عشوائية أم بطريقة منظمة؟ إذا كان قد حدث بطريقة منظمة، ما هو الدليل على ذلك؟ نعتقد أن الاستيطان الإسرائيلي ينتشر ومازال ينتشر ويلتهم الأراضي الفلسطينية بطريقة منظمة ومبرمجة، فهناك الكثير من الأدلة التي تثبت ذلك، نذكر بعضا منها على النحو الآتي: أولا: الجبل الكبير: يقع في الجهة الشمالية الشرقية من مدينة نابلس وعلى مسافة 5 كلم من المدينة، و بالتحديد على أراضي قريتي عزموط و دير الحطب، إذ أقيمت عليه عام 1979 المستوطنة المعروفة Elon Moreh. و من أجل تبرير بناء المستوطنة المذكورة، يربط رجال الدين و المستوطنون اليهود الرواية التوراتية التي تتحدث عن بناء سيدنا إبراهيم لمذبح (الحفريات الأثرية لم تستطع تحديد مكانه) بالقرب من بلوطة موره، وذلك عندما مر بالمدينة الكنعانية "شكيم" قادما من حوران و بلاد ما بين النهرين . و من جانب آخر بنى المسلمون في العصر المملوكي على هذا الجبل نفسه، مقام الشيخ بلال. لقد كان ﺃجدادنا وحتى أوائل الثمانينات من القرن العشرين يقومون بزيارة هذا المكان من أجل ممارسة الشعائر و الاحتفالات الدينية من أجل تخليد ذكرى بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه و سلم. إلا أنه في الوقت الحاضر غدا، الوصول إليه صعباً بالنسبة للمواطن العادي و السيائحين الأجانب؛ لأنه يقع ضمن نطاق المستوطنة المذكورة، فهو في منطقة عسكرية مغلقة. ثانيا: جبل عيبال: يقع هذا الجبل في الجهة الشمالية من مدينة نابلس، مقابل لجبل جرزيم في الجهة الجنوبية. لقد قام الجيش الإسرائيلي بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 ببناء قواعد عسكرية ورادارات على الجبل نفسه، و ذلك لأهمية الموقع الإستراتيجية، الذي من خلاله يمكن رؤية جبال السلط في الأردن و جبل الشيخ وهضبة الجولان. لقد أقيمت هذه القاعدة العسكرية وبعيدا عن الصدفة، بالقرب من موقع أثري، ادعى علماء الآثار المتدينون اليهود بأنه يعود إلى القرن الثاني عشر ما قبل الميلاد (بداية العصر الحديدي) ويربطون ما هو مذكور في التوراة ببناء خيمة الاجتماع أو معبد !!(مذبح لتقديم القرابين!!) على يد جماعة سيدنا موسى بقيادة يوشع بن نون على جبل عيبال، من أجل تخليد و الاحتفال بمناسبة دخول بنى إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية التي يدعون بأنها أرض الميعاد . ثالثا: جبل جرزيم: لقد أقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1983 على السفوح الجنوبية الشرقية منه مستوطنة أطلق عليها اسم "براخاه" ، الاسم الذي يعني "البركات"، إذ أخذ هذا الاسم من ما هو مذكور في كتاب العهد القديم بالنسبة لأسماء جبل جرزيم "جبل البركات" وعيبال "جبل اللعنات" . وبالإضافة إلى ذلك، استوطنت عليه اثنتا عشرة قبيلة من القبائل الإسرائيلية عندما دخلت فلسطين في بداية القرن الثاني عشر ق.م . ولجرزيم رمزية خاصة بالنسبة للطائفة السامرية، لقد كان و على مر التاريخ وحتى الوقت الحاضر مكان السكن الرئيس للطائفة السامرية، ومكان للنزاع الديني بينها و بين اليهود حول مكان وجود هيكل سليمان، إذ تعتقد الطائفة السامرية أن هيكل سليمان بني على جرزيم و ليس في القدس .بالإضافة إلى ذلك، على السفوح الشمالية الغربية منه وبالقرب من مسجد الخضرا يوجد المكان الذي حزن فيه سيدنا يعقوب على ابنه يوسف، إذ يسمى "حزن يعقوب" . و بني على نفس الجبل مذبحا للرب . بالإضافة إلى ذلك، يروي المؤرخ المقدسي جوسيفوس Flavius Josephus، وجود معبد سامري يعود إلى الفترة الهلنستية . وبسبب ذلك كله، أقدم اليهود لاحتلال جبل جرزيم وجعله منطقة عسكرية مغلقة لأسباب أمنية، لحماية المستوطنة و من أجل تبرير الاستيلاء على جبل جرزيم بناءً على ما هو مذكور في التوراة. و من خلال الأمثلة التي أوردناها، من الواضح أن وجود الاستيطان الصهيوني في منطقة نابلس لم يكن على الإطلاق بطريق الصدفة و إنما كان ومازال يمثل خطة صهيونية أعدت بشكل جيد وذلك من أجل ربط تاريخ اليهود القديم بالتاريخ المعاصر لفلسطين ومن أجل رسم خارطة توراتية لمنطقة نابلس (كمثال مصغر لفلسطين) بناءً على ما هو مذكور في كتاب العهد القديم (التوراه)، فليس غريبا أن تخضع جميع المواقع الأثرية في منطقة نابلس للسيطرة الإسرائيلية العسكرية، إذ أقيمت المستوطنات الإسرائيلية دائما بالقرب من تلك المواقع التي يدعي المتدينون اليهود علاقتها بالديانة و التاريخ اليهودي في فلسطين. و كنتيجة لهذه السياسة، السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية بالقوة و الادعاء بأنها أراض يهودية بالميراث. بالإضافة إلى إغلاق الكثير من المواقع الأثرية أمام السائحين بحجة أنها مناطق عسكرية مغلقة أو مستوطنات؛ ٳذ تعد هذه السياسة خطراً يهدد القطاع السياحي في فلسطين ويؤدي إلى الحد من نمو الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية. ونتيجة ﻹغلاق تلك المواقع فإن الجيش الإسرائيلي يغلق الكثير من الطرق تحت حججٍ أمنية بالتالي يؤدي إلى خنق السكان المدنيين وبخاصة الذين يسكنون بالقرب من المستوطنات. وأخيرا فإن كتابة التاريخ الثقافي لفلسطين بناء على الحق التاريخي لليهود في فلسطين، هذا الادعاء الباطل الذي لا علاقة له بالحقيقة العلمية يؤدي إلى تشويه صورة تاريخ فلسطين الثقافي وإعطاء الأجيال القادمة صورة مختلفة عن الحقيقة العلمية للتاريخ القديم لفلسطين. لذلك ينبغي على أصحاب القرار الفلسطيني العمل على وضع إستراتيجية منظمة معاكسة للخطط الصهيونية من أجل حماية التراث التقافي لفلسطين و تمويل إعادة كتابة تاريخ فلسطين على أسس علمية سليمة. و في النهاية، لا بد من تذكير المفاوض الفلسطيني بأنه ينبغي أولاً وقبل كل شيء وقف المفاوضات (المتعثرة في الوقت الحاضر) حتى تجميد الاستيطان وٳيقافه بشكل كامل، بل وإزالة جميع المستوطنات. وبما أن التراث الثقافي الفلسطيني جزءٌ لا يتجزء من التراث الإنساني للبشرية، ﺇذ يرتكز الفهم الحديث لهذا التراث على اعتباره ممثلا لتاريخ الشعب العربي الفلسطيني وهويته، و صورة لتعاقب الحضارات كافة على أرض فلسطين. ومن هذا المنطلق، فانه يجب على السلطة الوطنية و منظمة التحرير الفلسطينية و المجتمع الدولي دعوة إسرائيل إلى تطبيق القرارات الشرعية الدولية و الاتفاقات الدولية و بخاصة، إلزام إسرائيل تطبيق اتفاقية حماية التراث العالمي و الطبيعي المنبثقة عن المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو في دورته السابعة عشرة-باريس، 16 تشرين الثاني 1972، و خاصة المادة (4) و المادة (11) بند 4 و التي بشكل عام تنص على أنه يجب على كل دولة أن تقوم بحماية التراث الثقافي والطبيعي الذي يقوم في إقليمها، وحمايته و المحافظة عليه و إصلاحه، من أية مخاطر تهدد وجودها كالاحتلال و النزاع العسكري الخ. كما أنه أيضا يجب إلزام إسرائيل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 448 الصادر في مارس من عام 1979 الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية، إذ أن إسرائيل ببنائها للمستوطنات خرقت للقانون الدولي وخاصة الفقرة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة. وغيرها الكثير من القوانين والاتفاقات الدولية التي تتجاهلها إسرائيل وتضربها بعرض الحائط.