فرحة على ثغر شمس

jaberba's picture
Published at: 
رابطة أدباء الشام
Year: 
2010
AttachmentSize
فرحة على ثغر شمس297.46 KB

استلقيت فجراً على صورة تمثال احمر في ليل مقمر، أتحسس طيف قادم من هناك، من بلاد الزّهر والياسمين، كي أطل على الواد السّحيق، فأنا منذ نعومة أظافري أحب المغامرة والمقامرة، إنّها أغنية الموت والحياة التي أحب.

في بلدتنا الناس يخافون ورود الطيف والزّوابع، ويحبّون أن يروا عذابات النرجّس والبلابل، ويعشقون الأصنام والزّواحف، وأنا أكره التخدير والتّكايا والوقوف على الصّغائر.

استغرب الحيارى والتّائهون ظهور فتى الليل، يستلّ سيف الحقيقة، يمسك القلم في يد وفي قلبه شعلة من ضياء، ونبضة من الفناء في زهرة من الرياض، وأيقونة من الورود، في ليلة من الصّفاء والخلود.

 الناس في مدينتنا ينظرون من النوافذ، كي يسقط من السماء عنبر ونحلة صغيرة، يخاف كل منهما أن يراه الجميع يمسك في معصمه النور والضياء القادم من عوالم العشق والصعود.

هكذا كانت النحلة المسكينة ترتجف من النهار، أما الليل فكان المؤنس لها، فالآخرون نائمون، وهي تحبه؛ لأنهم لا يستطيعون أن يفتحوا الغرفة المضيئة، واعتادت على المسامرة وحدها مع الطائر الغريب، الذي اقتحم عالمها الذي لا يعرف الهروب، ما تجمع في عيونهم عتاب، وفي نظراتهم سهام من التوقف والانتهاء.

فلم يتعود أحد منهم أن يرى زهرة من البوادي، أو صقراً من التلال، يتقاربان يوماً، ويتباعدان الأيام والدهور كي لا يحس بهما طارق النهار.

فاقرب الموانئ أن تسير راكباً خلف البواخر، تمشي على الماء وحيداً مع أحلامك ومغامراتك الطفولية، ترتجي طائراً مغرّداً يأتيك في المساء أو في السحر، يحمل إليك صورة من الحمام الزاجل، يحكي قصّة لبنى الحزينة، التي أتت في صباحها تنتظر الفارس ممتطياً صهوة الخيل، كي يحملها الى هناك، الى المرابع والجبال، يمسك كل منهما يد صاحبه ليبث أوجاع الليل، وأسقام النهار عن ملحمة الحرب والهيام.

 وعبثاً يحاول هذا الصقر أن يوصل الأحلام والضياء لفارس امتشق حربته، وسار مسرعاً الى هناك حيث حمامة النور والمغامرة، تنتظر ملحمة الحرب والسلام، والقرب والبعاد، وأضواء مدينتنا أطفئت منذ الصباح، كلاهما يخاف من الواقفين والمارين في الشوارع والمنتزهات.

وهنا تأتي ساعة المحادثة يبدأ الفارس بإلقاء البيان الأخير فوق أريكة وخنجر يدعو للفجر والمقامرة.

ينظر الى لبنى الحزينة، وفي الجموع نظرات عتاب، وفي القلوب آلام وآمال وفجأة ينتظر ويستعر كي تأتي اليه لتبكي أغنية الوداع الأخير.

وهنا تدرك أنّ أمر صاحبها غريب فهي لم تتعود على رؤية الفارس واجماً، وها هي اليوم تتقاذفها أمواج وعواصف تنقلها الى الأماكن البعيدة، لعل الفارس قادم من بلاد الثلج والمعارك يخلصها من هذا الجحيم.

وها هي اليوم تقف في صلاتها تدعو الكريم أن يعرفها الحقيقة. أما فارس الليل فظل ساجداً يناجي رب العزة قائلاً: إنك يا الله المحيي والمميت والناصر والخاذل، ابعث لنا نوراً من عندك، وفرحة على ثغر شمس، ووردة على صدر قمر ، تغني لزهرة المدينة أغنية القيامة والعشق والأمان.