زفرات على القمر

jaberba's picture
Published at: 
رابطة أدباء الشام
Year: 
2010
AttachmentSize
زفرات على القمر178.53 KB

تتوسد الآلام، لتنقلك يوما الى شاطئ القمر، فتحس بطائر الفنيق يقف بجانبك كل يوم وكل ساعة، ليحملك الى هناك، حيث عالم التقارب والتباعد والحب والانتقام. فالناس في مدينتنا ألفوا الركود والسبات والنيام، وأخلدوا إلى المصير المجهول المظلم، في ظل أبرشية السكارى أصحاب القطط السمان، الذين لا يرون الوجود إلا تحت أقدام سارة الممسوخة.

تلك المرأة القزم التي ولدت مع عشرين حرامياً سكنوا في بيت أبرهام الجديد، الذي خلع ملابسه، وقبل أن يقوده أفرام البائس، يركب كل يوم تابوتا، منحه إياه قرقوز باريس المتصابي، وميركل التمساحة، وهيلاريا البحارة المتعفنة.

في يوم بارد ركبت نفسي وصعدت جبل الكروم، هروبا من وجع الأيام، وتعاسة المتسلطين على أرض الليمون والقيامة، كان ذلك فجر اليوم السادس من نيسان، كنت وقتها خائفا على الورود وزهرة البنفسج أن يقطفها وغد، فيقتل في نفسي بقية حياة عادت لي.

لا أخفي عليكم فأنا أحب البراري، والسير ليلا، لا سيما فجر الخميس، ففيه بدأت أشتم رائحة الورود مع حبيبات الزعتر والنرجس، ونسيم الصبا القادم من برتقال يافا وسماء عسقلان التي دنسها ميخا السقيم، صاحب الأخدود ومؤسس أزلام دومة الجندل، الذين يختبئون في حارة العناترة الصغار، فقد غدة البغاث بأرضنا تستنوق.

وقفت مع ظلي الأخر الذي أناجيه صباح مساء، فقلت خافتا: أرأيت اليوم كيف عادت لي الحياة من جديد فأنا لم أعد أرى الوجود إلا بك، والعيش إلا بالقرب من فعالك، نناجي القمر معا، فأنت الطائر الجديد الذي أعشق، وإكسير القادم الذي أنتظر. فها أنا ذا معك أستل سيف الحرية الغائبة، وقوة التحدي مع النازلين في زمن التيئييس والتتييس.

أخشى عليك من النسائم، وأخاف منك كي لا تطير، فلا أعود أراك. أتردد كثيرا حين ألقاك، وأتوسل لخالقي الذي أحب أن لا يبعدني عن الفراق الذي لم أعد أطيق.

في يوم أخر اقتربت من طائر مغرد، فبدأت أقلب صفحاته المنسية، في عالم يراقب بلبلين، اقتربا من بعضهما دون سابق إنذار، يخشيان على روحهما أن تتقاربا، وعلى قلبهما أن يتباعدا. بدأا يناجيان الشمس، لعل شعاعا يأتي متسللا من النوافذ الخلفية.

بدأ الطائر حديثه قائلا .. أتصدق أنني باحث عن وجودي منذ صغري! أنتظر الفارس أن يدخل منتشقا حربته وسيفه يقاتل عني، يحميني حتى من نفسي يملك علي الوجود والزمان والمكان. قالها والدمعة تنزل على خده فقد أصبح وجلا من الناس، حتى من المقربين.

لكن الذي يطمئن الباشق الجديد أصواتا تترى تنسمت عبير الجبال، وعشقت صعود الأقمار، لا ترتعد فرائسه، إلا حينما يبتعد عنه طائر الفردوس الجديد الذي ملأ عليه حياته فقد بدأ يحس بالوجود من جديد. وها هو اليوم يرى نفسه وقد ملك الموت والحياة، والنور والظلام، والقرب والبعاد، والحب والانتقام.

وفجأة انشق الشعاع، ليلامس روحين امتزجا رغما عن أنف العابثين والمتربصين، أصحاب عاد وثمود، ليعلنا للعالم أغنية الحرية والصباح، وزغرودة البيادر والزعرور ، فها هي الحياة قد ولدت من جديد، لتعلن بدء مشوار الحق والعدالة، وحكما رشيدا غاب من دهور.