السلام المزعوم في فلسطين بين أبي جراب و جحا

jaberba's picture
Year: 
2010
AttachmentSize
السلام المزعوم في فلسطين بين أبي جراب و جحا294.62 KB

     تذكرني كثرةُ كلمة السّلام لحلّ قضية فلسطين، التي غدت سخرية يتندّر بها الناس في فلسطين و خارجها، بقصة فلسطينية فولكلورية عن شخصية اسمها أبو جراب، فقد تعوّد الذهاب إلى مقهى البلدة كل يوم، لتناول القهوة و تدخين الأرجيلة، وفي يوم ماطر شديد البرودة، دخل المقهى فوجده ممتلئاً من زبونٍ دائمين، فلم يعثر على مقعد يجلس عليه.

     فخطر على باله كذبة، فنادى في الجالسين قائلاً: سمعت أن المؤن ستوزع اليوم، فقالوا له: يا زلمة، المؤن بعد أسبوعين، فأصر على قوله.فخرجوا مسرعين و كل واحد ركب حماره، و ذهب إلى البلدة المجاورة حيث مكان توزيع المؤن.

     ثم إن أبا جراب هذا، بعد فترة وجد نفسه وحيدا، فغدا المقهى فارغاً من رواده، فخرج من المقهى مسرعاً، وركب حماره، وأسرع متجهاً إلى مكان توزيع المؤن، قائلاُ في نفسه:"يجوز في توزيع مؤن اليوم". فلقيه الناس راجعين، وبدؤوا يشتمون أبا جراب الذي كذّب الكذبة و صدقها، فقال لهم مدافعاً عن نفسه: "ظننت أن اليوم توزيع المؤن". فصارت طرفة يتندر بها الناس.

     وقصة أبي جراب الفولكلورية هذه، أصبحت شعار المرحلة، وواقعاً معاشاً عند إمبراطوريات ودول وساسة يقتاتون على أكذوبة السلام، منذ بداية مشكلة الصراع على فلسطين  بين الفلسطينيين و الإسرائيليين الذين احتلوا أرضهم حينما خذلهم الانجليز، و تواطأت معهم أنظمة العرب.

     ومعلومٌ أن شعار السياسيين حالياَ: اكذب ثم اكذب، ثم اكذب حتى يصدقك الناس، فالبسطاء من شعب فلسطين المنكوب وغيرهم انطلت عليهم خدع السلام المزعوم.

     وتتقاطع قصة أبي جراب الفولكلورية هذه مع نادرة لجحا العربي الذي ذهب يوماَ إلى إحدى البلدات فاجتمع إليه أولاد الحارة الغربية، وبدؤوا يجرون وراءه ويمازحونه ويزعجونه، فاخترع حيلة قائلاَ لهم: أسمعتم هناك عرسٌ في الحارة الشرقية، وتعلمون أنكم في العرس ستجدون ضالتكم من المأكل و المشرب والحلوى، فانصرفوا عنه مسرعين. وبعد قليل وجد نفسه وحيداَ، فقال في نفسه: يمكن أن هناك عرساَ.

فقالت العرب: جحا كذّب الكذبة وصدّقها. 

     وهكذا فطرفة أبي جراب الفلسطيني ونادرة جحا العربي أصبحت مثلاَ عند الناس. وعند أنظمة عربية وغيرهم، ومعهم ساسة دول الغرب الأمريكيّ، ومعهم منظمة التظليل " الأمم المتحدة"، وجامعة الدول العربية المتوفاة أضحوكة يتندر بها الناس ويتسامرون عليها. مثلها مثل المختار الدوغري الظالم حين قامت القيامة لم يجد له مكاناَ في الجنة ولا في النار فتقول الحكاية، فقالت الملائكة له: أهل الجنة ربهم الله، وأهل النار ربهم الشيطان، أما أنت فلا ربّ لك، فكبّ في السعير.

      وها هو شعب فلسطين كفر بكل هذه المراوغات و الأضاليل، فلم يعد يصدق ما تقوله الساسة، ويتفوه به الزعماء عن السلام في فلسطين وغيرها . بل يراه تكريسا للاحتلال. وهو يشاهد كل يوم المستوطنات تزداد وتتسع والقدس تهود، وهو مكتوف الأيدي من الأعداء الأباعد و الأقارب و يساق إلى الإعدام، وممنوع عليه رفع الصوت والصراخ في وجه جلاديه.

     لكنّ شعب فلسطين العظيم، ومعه شعوب العرب والمسلمين، وأحرار العالم، مصمم الوصول إلى حقوقه المشروعة، وإعادة الأرض المغتصبة، والكرامة المهدورة. فهو معلّم الشعوب المقهورة والمحتلة كيفية الخلاص من المحتلين، ومبدع في اكتشاف الأساليب والمناهج لقهر الطغاة والمستبدين، وهو يراهن على سقوط كل الأقنعة الزائفة،ليبدأ الحصاد الأخير الذي ينهي الظلمة والمستكبرين والمتآمرين. وهو يدرك أنّ ساعة الحقيقة قد اقتربت، وفجر العدالة والحرية والانتصار على الأبواب.