إصلاح التعليم في الدول العربية

ansam's picture
Published at: 
صفحة النجاح الإلكترونية
Year: 
2009
AttachmentSize
إصلاح التعليم في الدول العربية156.83 KB

تأليف: د. فاروق الباز

 ترجمة: د. أنسام صوالحة

لمحة تاريخية

كانت أول كلمة بدأ بها القرآن الكريم هي "إقرأ" تأكيدا على أهمية المعرفة، ولأن التعلم يجعل الإنسان ‏أكثر ادراكا وإيماناً بالله، وأكثر نفعاً للإنسانية. ويتساوى اكتساب المعرفة  مع البحث عن الحقيقة، وفي ‏هذا السياق قال الفيلسوف ابويوسف الكندي (805-873) ما معناه "يجب أن نتقبل الحقيقة ونبحث عنها ‏بغض النظر عن مصدرها، حتى ولو كانت من بلاد بعيدة ودول مختلفة. لا شيء أهم من البحث عن ‏الحقيقة إلا الحقيقة نفسها". غير أن العرب في العقود القليلة الماضية لم يطبقوا ذلك وانغلقوا عقلياً ‏وفكرياً عن العالم من حولهم، وأصبحوا يعانون من الشعور بالنقص والاحساس بالخوف وعدم الثقة. ‏وقد يكون من العوامل الرئيسية لهذا النقص هو الخلل في نظام التعليم وطرقه وأساليبه في مراحله ‏المختلفة.‏

يرتكز التعليم المدرسي الحالي غالباً على طريقة الصم (الاستظهار من غير فهم) مما  أدى إلى ‏القضاء على التفكير الذاتي والإبداعي. أما في الجامعات فقد أدى التعليم الجامعي المجاني إلى تضخيم ‏عدد الطلبة فى الفصل الواحد إلى درجة يصعب السيطرة عليهم، مما أسهم في قتل الإبداع عند الطلبة ‏والمدرسين على حد سواء. وساهمت عقود الإهمال وعدم اتخاذ الخطوات الصحيحة الى إنتاج جيل ‏من الشباب بلا هدف أو طموح، لينضم إلى قطاع كبير من القوى العاملة غير المنتجة والسلبية في ‏الدول العربية.‏

‏ لقد خسر العرب مشاركتهم في إنجازات عصر الصناعة ولذلك استمروا في استيراد  المعدات ‏والمنتجات اللازمة من الآخرين. وحصل الأمر ذاته لاحقاً عندما لم يشارك العرب في العصر ‏النووي، وأخفقوا في المساهمة في حل لغز الذرة، وكذلك استخداماتها السلمية. ومر عصر الفضاء ‏بانعدام المساهمات العربية، وتصرف العرب كمن يشاهد مباراة رياضية يجهل قوانينها. وكان من ‏أسباب عدم مشاركة العرب هو قناعتهم بأن إنفاق المال على البحث العلمي هو رفاهية لا تستطيع دفع ‏نفقاته إلا الدول الغنية.‏

لقد لعبت مصر دورا قياديا في العالم العربي خلال أواسط القرن الماضي، حيث قامت بتوفير الثقافة ‏والعلم، وتخرج منها القادة والمعلمون والمستشارون. ولكن الخسارة الكبرى التي تعرضت لها مصر ‏عام 1967 أدت إلى ضعضعة ثقتها بنفسها، مما انعكس سلباً على محاور عديدة وانشغلت مصر برثاء ‏النفس ودخل العالم العربي مراحل ركود ورثاء النفس أيضاً، لذلك يعد اصلاح وضع العرب من ‏الخطوات الضرورية لتمكينهم من العودة للعب دور إيجابي وفاعل في المنطقة والعالم.‏

الحاجة إلى التغيير والاصلاح

نعيش اليوم في عصر المعلومات، وسيُفوت العرب هذا العصر إذا لم يقوموا بتحديث وسائل التعليم ‏ونُظُمه. إن تحسين التعليم والبحث عن المعرفة وزيادتها ونشرها والاستعانة بالمخترعين والمفكرين ‏هي وسائل لازمة للنمو الاقتصادي. ولقد قدمت الدول الآسيوية (مثل اليابان والصين وماليزيا وكوريا ‏والهند) مثالاً ناجحاً أدى فيه التركيز على التعليم إلى تطور اقتصادي ملحوظ. وتُمثل كوريا الجنوبية ‏حالة خاصة حيث قامت -ولمدة عقد كامل- بإعطاء الأولوية العليا من الميزانية القومية للتعليم بغض ‏النظر عن الاحتياجات الأخرى. وأدى هذا التخطيط إلى إنتاج جيل متعلم، يتميز بعلمه وتدريبه فأنتج ‏بضائع متميزة في العالم بأسره. ويستمر هذا النموذج في عصر المعلومات، حيث أن مستخدمي ‏الإنترنت في كوريا الجنوبية يفوق عدد المستخدمين في الولايات المتحدة. بينما لا يتجاوز عدد ‏مستخدمي الانترنت من العرب 1.1% رغم انهم يشكلون 5% من سكان العالم.‏

لهذه الأسباب, تتعالى الأصوات المطالبة بالتغيير من داخل الوطن العربي وخارجه. ولتحقيق ذلك، لا ‏بُد من ممارسة الحرية السياسية والديمقراطية، وخصخصة التجارة، وتحسين أوضاع المرأة. هذه ‏الأهداف لن تتحقق طالما وُجدت الفجوة المعلوماتية. إن الاصلاح المنشود يبدأ من شعب متعلم يقوم ‏فيه الأفراد بتحمل المسؤولية تجاه مجتمعهم ويتمتعون بالعلم والمعرفة ويتساوى فيه الرجال والنساء ‏في تحمل هذه المسؤولية. إن تحليل مشاكل قطاع التعليم على هذا النحو المنفتح يعد ضرورياً لنشر ‏الاصلاح المأمول واستمراريته.‏

دور التعليم

رغم أن الدول العربية غنية بالبترول، إلا أن كل المؤشرات تدل إلى فقرها بالمعلومات. تظهر هذه ‏الحقيقة جليا في تقرير التطور الإنساني للعرب، والذي نشر عام 2003 من قبل برنامج الأمم المتحدة ‏الإنمائي. أشار هذا التقرير إلى أن الدول العربية تزحف خلف كل الدول الأخرى في المؤشرات ‏التكنولوجية باستثناء دول جنوب الصحراء الكبرى. هذه المؤشرات تشمل عدد الكتب، الجرائد، ‏محطات الإذاعة والتلفزة، خطوط الهاتف وأجهزة الحاسوب الشخصية والانترنت. اتخذت بعض ‏الدول العربية خطوات حقيقية لتغيير هذا النمط، والإمارات العربية المتحدة هي مثال على ذلك حيث ‏يستخدم 30% من مواطنيها أجهزة حاسوب، وهو رقم يفوق عشرة أضعاف معدل استخدام الحاسوب ‏في مصر.‏

وبشكل عام، يُظهر العالم العربي ضعفاً وعدم كفاءة في السعي للمعرفة واكتشافها. والمؤشر على ذلك ‏هو قِلة الترجمة. ففي تقرير الأمم المتحدة الإنمائي 2003، كان عدد الكتب التي تمت ترجمتها في 22 ‏دولة عربية في بدايات الثمانينيات يساوي جزءاً من خمسة مما تُرجم إلى اليونانية. أما بالنسبة ‏للمساهمة في اكتشاف المعرفة فليست بحال أحسن حيث يشكل العرب 5% من سكان العالم ولكنهم ‏يُنتجون 0.8% فقط من الأدب والعلم الجديد.‏

‏ أما فيما يتعلق بالبحث العلمى فالوضع أكثر سوءا، تُنفق الدول العربية أقل من 0.2% من ميزانيتها ‏على البحث والتطوير في العلوم والتكنولوجيا. هذا الرقم يعتبر أقل بعشر مرات مما تنفقه الدول ‏المتقدمة. تتاكد هذه الأرقام عندما ننظر إلى الأبحاث التي تم نشرها أو المخترعات التي تم تسجيلها. ‏فالدول العربية نادراً ما تتمكن من نشر أبحاثها في مجلات علمية محكمة. وكذلك كان عدد ‏الاختراعات المسجلة من العرب جميعاً ضئيلاً بحيث لا يساوي 2% من ذلك الذي قامت بها كوريا ‏الجنوبية على سبيل المثال.‏

إن إصلاح التعليم من شأنه أن يلعب دوراً مهماً في التطور الاقتصادي، لأن التعليم يؤدي إلى تطوير ‏عقل الجيل الناشئ ليصبح افراده مواطنون نافعون. هذا الإصلاح يشمل تعليم الصغار التفكير الذاتي ‏والثقة بمعلوماتهم، والجرأة لطرح أفكارهم والمدافعة عنها. من أجل ذلك، يجب أن يتوفر لدينا معلمون ‏يمتلكون العلم والطموح ومتمكنون من التواصل مع الطلبة. ويجب إبقاء المعلمين مطلعين على أحدث ‏الوسائل التكنولوجية في التعليم والاختراعات العلمية والحديث من الأدب. وتُعد سياسة تقديم الجوائز ‏والمحفزات للمعلمين المتميزين من الأساليب الناجحة لإبقائهم مثابرين. وفي الخلاصة، فإن إعداد ‏المعلمين وتدريبهم باستمرار هو جزء لا يتجزأ من الإصلاح  المنشود.‏

طريق المستقبل

هناك دائماً مجال لإصلاح التعليم ولا يعد الوقت متأخراً خاصة عندما نتكلم عن مستقبل أمة. فالمصنع ‏الذي تصبح أدواته قديمة يتم تجديده، وبالطريقة نفسها فإن هدف التعليم ورسالته في العالم العربي ‏يجب تجديدها، ويجب معالجة المشكلة بدءاً من جذورها. قد تكون البداية هي التعليم في البيت ثم في ‏رياض الأطفال، ثم في المدرسة. فمفهوم الطفل للتعليم وتطوير نظرته للمعرفة يبدأ في سن مبكر. ‏ويمكن زرع مبدأ التفكير التحليلي والبحث عن المعرفة عند الأطفال من خلال الحوار الهادىء معهم. ‏إن تقدير المعرفة واحترام مصادرها يُزرع في الأطفال منذ الصغر. ويتذكر المؤلف في سنوات ‏طفولته الأولى مشهد والده وهو يستخرج الكتاب من مكانه ويحمله بكل تقدير واهتمام ويفتح صفحاته ‏بكل رقة واحترام. لقد كان لهذا المشهد تأثيراً ايجابياً على حياته.‏

في أغلب البلدان العربية، يتم حشو المعلومات في عقول الأطفال ولا يخصص وقت للمناقشة ومعرفة ‏الأسباب، وهذا يعزز طريقة التلقين والحفظ. صحيح أن هناك معلومات يجب حفظها مثل جدول ‏الضرب والأشعار والقواعد اللغوية، ولكن يجب أن يتعلم الطالب آلية النقاش والتطبيقات المحتملة ‏لهذه النوعية من المعلومات. ويجب خلق موازنة بين تعليم الطلبة وتشجيع الإبداع. فوظيفة المعلمين ‏أن يشجعوا مشاركة الطلبة عبر التفكير الحر والنقدي، وهذا من شأنه أن يثير اهتمام الطلبة ‏واستمتاعهم بالوقت الذي يقضونه في المدرسة.‏

أما التعليم الجامعي فيتطلب إصلاحاً أكبر بكثير. يجب تعليم الطلاب آلية البحث عن المعرفة، وتحديث ‏معلوماتهم باستمرار وأن يتم تحدي عقول الطلبة للوصول إلى مستويات جديدة من المعرفة كما يجب ‏توجيه طاقاتهم في مجالات نافعة. ولإنجاح ذلك, يجب إعطاء القائمين على التدريس بعض ‏الاستقلالية، مع استعمال نظام تقييم ومتابعة مستمرة وتدريب متواصل. كذلك يجب عدم إهمال أهمية ‏تطوير المكتبات ووسائل التكنولوجيا، والحاسوب، للاستفادة من مصادر المعرفة الضخمة الموجودة ‏فى الإنترنيت.‏

المساعدات الدولية

يُعد إصلاح التعليم عملية طويلة الأمد تتطلب تحديد الأهداف ومراقبة تطبيقها وأخذ العبرة من تجارب ‏الآخرين والاستناد على ممارسات صحيحة. لا يوجد حرج لأي شخص أو أمة اذا اتبعوا أساليب ‏نجحت عند غيرهم. فلقد قامت الولايات المتحدة بنقل أساليب من اليابان عند حاجتها لتلك الأساليب. ‏وقد جربت الدول العربية وسائل وأنواع مختلفة من المؤسسات التعليمية ويجب عليها جميعا ‏ان  تُناقش وتراجع تجاربها بعقلية متفتحة، ليتم استنباط الأفضل فيما يتعلق بكل منطقة. إن تقدم العرب ‏سيكون له أثر كبير في تطوير التعليم في العالمين العربي والإسلامي.‏

خلال محاولاتنا لإصلاح التعليم، يجب أن نستفيد من تجارب الدول الأخرى التي أعادت هيكلة القوى ‏العاملة فيها في وقت زمني قياسي، وهذه الدول تشمل كوريا، الهند، الصين، كوستاريكا، ماليزيا ‏وتركيا. ويجب أن لا يكون هدفنا نسخ تجربتهم وإنما تعلم كيفية تنفيذ الإصلاح بطرق فعّالة. وعند ‏الحديث عن مواضيع التعليم، يجب أخذ تجربة الغرب بعين الاعتبار. فبلدان صغيرة مثل فنلندا خطت ‏خطوات عظيمة الشان في تعليم ابنائها العلوم والتكنولوجيا. لقد رفعتهم هذه الخطوة إلى درجة القيادة ‏في الاختراعات والإنتاج، وزيادة دخل الفرد. واليوم تصدر فنلندا بضائع تعادل كل ما تصدره 22 دولة ‏عربية باستثناء النفط والغاز.‏

على الدول الغربية أن تدعم الدول العربية وتساعدها في اكتساب المعرفة لكي تلحق بالعالم المتطور. ‏هذا من شأنه أن يقلل من ضغوط هجرة الأعداد الكبيرة من الشباب من المناطق العربية إلى الغرب، ‏وكذلك يُقلل من تنامي التمييز الذي بات يهدد العالم كله. ومن شأنه ايضا أن يجعل العالم يستفيد من ‏النهضة العلمية العربية، ومن المتوقع أن تلعب الولايات المتحدة الدور الرئيسي في هذه العملية. ‏والتعليم في الولايات المتحدة يحظى باحترام في العالم العربي. بالإضافة لذلك، تتربع الولايات المتحدة ‏على عرش القمة في مجالات العلوم والتكنولوجيا منذ نجاح رحلات أبولّو والهبوط على سطح القمر ‏منذ أربعة عقود من الزمان. وبالنسبة للمؤسسات التعليمية الأمريكية، فهي تتمتع بسمعة متميزة في ‏العالم العربي وذلك بسبب وجود فروع للجامعة الأمريكية في بيروت والقاهرة والشارقة. وغيرها، ‏كذلك فالأغلبية العظمى من الأساتذة البارزين والقادة الحكوميين والمفكرين ورجال الأعمال الناجحين ‏هم من خريجي الولايات المتحدة وثمرة أساليبها التدريسية المتقدمة.‏

وعلى سبيل المثال, للاستفادة من هذه الخاصية في التعليم الأمريكي، قررت دولة قطر أن تنفق جزءاً ‏كبيراً من عائدات البترول على التعليم والصحة. ففي عام 1996 تم افتتاح الأكاديمية القطرية يليها ‏برنامج الجسر الأمريكي لإعداد الطلبة لتعليم جامعي عالي المستوى. ثم قامت قطر بتوجيه دعوة إلى ‏عدد من الجامعات الأمريكية لفتح فروع لها على أراضها مثل كورنل، فيرجينيا كومنولث، تكساس ايه ‏اند ام، وكارينيجى– ميلون. كان الهدف هو الاستفادة من التعليم الأمريكي لتحسين الجامعات الحكومية ‏في قطر. وحديثاً قامت جامعة بوسطن بافتتاح كلية لطب الأسنان في دبي. ومن الجدير ذكره أن ‏مؤسسات التعليم الأمريكية لم تُخفض شروط القبول أو تُقلل من مستوى المنهاج الذي يتم تدريسه.‏

‏ ‏خاتمة

إصلاح التعليم في الدول العربية من شأنه أن يُساهم في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي ورفع ‏مستوى الشعوب. لذلك هناك متطلبان رئيسيان : أولاً، الاعتراف بشجاعة بأن الوضع القائم حالياً لا ‏يساهم في تنمية عقول الجيل الناشئ ليقوموا بما هو مطلوب منهم، وثانياً، الرغبة السياسية والوطنية ‏بتطبيق التغييرات المقترحة. من أجل هذا لابد و أن تكون هناك شراكة مستدامة بين الحكومات ‏والقطاع الخاص والمجتمع المدني. ويجب أن يقوم المفكرون والقائمون على التدريس بالعمل جنباً ‏إلى جنب لإنجاح هذه الشراكة.‏

هناك بُعد اجتماعي مهم لهذا كله ألا وهو نظرة المجتمع إلى أهمية التعليم والمعلومات. فقد بُنيت ‏الحضارة الإنسانية على المعرفة والعلم وتطبيقاتهما. أما في العالم العربي، فقد أدى انتشار الثروات ‏المادية إلى إعطاء أولوية للمال أكثر من العلم والمعرفة. هذا الوضع يجب أن يتم عكسه ويجب ‏إعطاء أولوية أعلى لأولئك الذين يستفيد من عِلمهم المجتمع المحلي والإنساني.‏

من المكونات الرئيسية لإصلاح التعليم في الجامعات هو التركيز على البحث العلمي وتخصيص ‏ميزانية أعلى لدعمه. أما في الدول العربية، فإن الحكومات تتعرض لضغوط ملحه  لتوفير الطعام ‏والمأوى لشعوبها، ولذلك يصبح الإنفاق على البحث العلمي في أسفل قائمة الأولويات. وتكاد تكون ‏ميزانية البحث العلمي من القطاع الخاص معدومة. بينما في الدول المتقدمة، فالحال غير ذلك، حيث ‏يساهم القطاع الخاص بنسبة كبيرة من ميزانية البحث العلمي. على سبيل المثال، ينفق القطاع الخاص ‏في أمريكا ضعف ما تنفقه الحكومة على البحث العلمي والتطوير. إن الإنفاق على البحث العلمي ليس ‏رفاهية، إنه الضمان للتنمية المستدامة التي تعزز النمو الاقتصادي وتساعد على إبراز أي دولة إلى ‏قائمة الدول الرائدة.‏

لا يوجد شيء في الشخصية العربية يمنعها من التطور والتحصيل. بل على العكس، فإن الحضارة ‏العربية الإسلامية استمرت لثماني قرون على أكتاف الباحثين والعلماء والمخترعين في المجالات ‏المختلفة. لقد قام القادة العرب والمسلمون بفتح قلوبهم وعقولهم وحدود بلادهم لكل من ساهم في ‏تطوير حضارتهم.  لقد بنوا المؤسسات التعليمية على كل المستويات، ودعموا مراكز الأبحاث لتضيف ‏المزيد إلى كنوز المعرفة في كل المجالات.  وكان هناك تقدير للباحثين بسبب إضافاتهم للعلم بغض ‏النظر عن عرقهم أو دينهم أو موطنهم. ومن ضمن هؤلاء الباحثين برز مسلمون ومسيحيون ويهود ‏من بلاد مختلفة. ويجب على الذين يؤمنون بالعداء الطويل الأمد بين العرب واليهود مراجعة هذه ‏الحقيقة التاريخية. فعلى سبيل المثال، كان الفيلسوف موسى بن ميمون (1135-1204) يهودياً ولكن ‏اسمه خُلِّد بِجدارة في التاريخ العربي والاسلامي. لقد ولد في قرطبة، ودعمه الخلفاء وكتب أغلب ‏روائعه باللغة العربية، وقد استُقبل بحفاوة عندما قدم إلى القاهرة ليمارس عمله طبيباً لصلاح الدين ‏الأيوبي. ولا تزال مؤلفاته مرجعاً حتى يومنا هذا.‏

لقد كانت المحافظة على المعرفة وزيادتها ونشرها السبب الرئيسي خلف نجاح الحضارة العربية ‏الإسلامية واستمراريتها. فبالنسبة لهم كانت المعرفة والعلم أمران عزيزان ويشكلان قيمة كبيرة بغض ‏النظر عن منشأهما، وكانتا حقاً لكل إنسان. إنه لمن الحتمي علينا تعلُم هذه الدروس المهمة من أجل ‏تمهيد الطريق للجيل الجديد من العرب لتحقيق الحلم بمستقبل أفضل، ليساهموا في تطوير الحضارة ‏الإنسانية المعاصرة.‏

ومن الضروري أن نتعلم من دروس الدول الناجحة، وأن نمضي للمستقبل بخطى ثابته وهذا النهج لن ‏يكون ممكنا الا بالعلم والمعرفة. إن تطويرنا لأمتنا العربية هو واجب وطني وقومي يضاهي في ‏أهميته الدفاع عن الاوطان وحمايتها. أيها العرب....انهضوا.‏

‏----------------------------------------------------------‏

المراجع:‏

‏ ‏United Nations Development Program. (2003). The Arab Human ‎Development Report 2003: Building a Knowledge Society. New York: ‎Regional Bureau for Arab States‏.‏

‏•المؤلف: د. فاروق الباز، عالم مصري معروف عالميا بانجازاته ومساهماته في برنامج ‏أبوللو وذلك بتدريب رواد الفضاء وإخيار مواقع الهبوط على سطح القمر, وكذلك دراساته لصحاري ‏العالم من خلال الصور الفضائية والزيارات الميدانية. عمل في عدة مؤسسات أبرزها وكالة الفضاء ‏الامريكية ناسا وهو حاليا يعمل رئيسا لمركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن في الولايات ‏المتحدة الامريكية. وقد تم نشر النسخة الانجليزية لهذا المقال في مجلة The Journal of Education 2009 by the Trustees of Boston University‏.‏

‏#  ترجمة: د. أنسام صوالحة، المدير المؤسس لمركز السموم والمعلومات الدوائية وأستاذ مشارك في علم الأدوية والسموم في كلية الصيدلة في جامعة النجاح الوطنية/ نابلس/ فلسطين.‏