صورة الادراك النفسي للتمكين في المجتمع العربي

2577's picture

لعل امعان النظر في فكرة التمكين النسائي في الوطن العربي تبدو مناسبة اكثر من فكرة الترويج لها , وذلك بالنظر للفجوة بين المكاسب والتوقعات . وان شئنا الموضوعية في الطرح لايمكن النظر إليها على شكل تصور ذهني متفائل ومع ذلك يشوبه الكثير من التشويش والاضطراب . لذا نجد أن الانطلاقة الجيدة لتفحص الفكرة يجب أن يتم في اطار تفحص أطر الحدود الانسانية ( السياسية والاجتماعية والثقافية ....ألخ) التي تثار وتتحرك ضمنها قضايا مازال الحديث عنها يلامس الحدود والأحكام الأخلاقية . وتبقى التناقضات فيها تتحرك وفق المسافة الفاصلة بين المشروعية واللامشروعية , بين المدان والمحلل أخلاقيا , وبين إدراك الاحساس بالاستطاعة والانجاز وبين إدراك الاحساس بالعجز والرغبة في الانسحاب .ويبدو أن التفاؤل الممنوح اعلاميا وبرعاية دولية لايمكن التعويل والركون إليه إن اعتمد فكرة الاقناع بالقدرة والتفوق بعيدا عن المنبئ الاحصائي كمؤشر على ضآلة الكسب ووهم الفكرة المتفائلة . 
المفهوم تم تبنيه من قبل الأمم المتحدة التي اعتمدته في أدبياتها , ودعمت ومولت مشاريعه و حددته اليونيفيم بكونه: العمل الجماعي في الجماعات المقهورة أو المضطهدة لتخطي أو مواجهة أو التغلب على العقبات وأوجه التمايز التي تقلل من أوضاعهم أو تسلبهم حقوقهم .
نلاحظ انه في الحالة العربية عامة والفلسطينية خاصة نتحدث عن مجتمعات مستلبة أصلا في الشكل والمضمون ووضع المرأة فيه ما هو إلا صيغة من صيغ الاستلاب على جميع الصعد , ومع ذلك أكد صندوق الأمم المتحدة الانمائي للمرأة على ضرورة الالتزام والعمل على ثلاث قضايا يفترض بها أن تشكل رافعة للعملية الانمائية المتعلقة بالتمكين ألا وهي :
أولا-تمكين المرأة اقتصادياً وتعزيز دورها في المجتمع لضمان حياة آمنة.ويشمل مجالات العمل التالية :
• النساء في سوق العمل
• النساء في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات
• إدماج النوع الاجتماعي في السياسات الاقتصادية
• الميزانيات المراعية للنوع الاجتماعي
• سياسات الاقتصاد الكلي
ثانيا - دعم القدرات المؤسسية في مجالات التخطيط الجندري وإدماج النوع الاجتماعي في إدارة الحكم ويشمل مجالات العمل التالية :
• السلام والأمن
• القيادة وبناء القدرات 
• العدالة الاجتماعية / المساواة
ثالثا- تعزيز الحقوق الإنسانية للمرأة من أجل مكافحة كافة أشكال العنف لضمان استمرار عملية التنمية.ويشمل ويشمل مجالات العمل التالية :
• القضاء على العنف ضد المرأة
• تعزيز اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.

سنوات من العمل أثمرت مجموعة أرقام أظهرها جهاز اﻹ-;-حصاء في اﻷ-;-مم المتحدة 2005تشير إلى أن نسبة مشاركة المرأة العربية في النشاط الاقتصادي من بين القوى العاملة من البالغين تصنف ضمن أدنى النسب في العالم . فقد بلغت في المغرب (27%)، مصر (22%)، سوريا (21%)، عـُمان (18%)، اﻷ-;-ردن (15%)، فلسطين (14%)، قطر.(%12) والجزائر (%13) 
وقد جاء تقرير التنمية البشرية السنوي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي2011 مؤكدا على أن الدول العربية لا تزال متخلفة عن غيرها في مجال تمكين المرأة .

لاشك أنها منبئات عن ضرورة الخروج والسعي لاعادة بناء علاقة المرأة بعالمها الخارجي بعيدا عن ميولها البدائية المؤطرة برؤى قبائلية ترفض مجتمعاتنا العربية الاعتراف بقدرتها على صياغة أزلية للأنساق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية برمتها في بوتقة فكرية جامدة ترسم الملامح المميزة للعقلية العربية ,المهددة بالاختلال وعدم التوازن أمام كل ما يطالبها بالتجديد والخروج عن أشكال السلوك غير المألوف المفروض بتأثير معطيات تطور الحياة .

يصعب تصديق مدى الرغبة الخفية في الانصياع لتلك الرؤى من قبل المرأة العربية , واظهارها للخضوع السلبي الحاضر دوما في حياتها النفسية . بحيث يبقيها في حالة عمى يشغلها عن التخلص من مخاوفها كموروث شعبي يجب تسويغه , وعقلنة مازوكيتها المستسلمة كشرط لتحقيق الانصهار في جماعتها وقبيلتها .ونقله بأمانة وصدق عالي المستوى لنسلها لضمان حصولها على شهادة مرضي عنها في مجتمع حدد الذكور شروط الرضى بما يمكنهم من مزيد من احكام السيطرة على مقدرات القبيلة والتي تعتبر فيها المرأة جزء من هذه المقدرات .

المجتمع الفلسطيني لم يستطع الافلات من هذه الحتمية على الرغم من الظروف السانحة والممهدة باعتبارها ليست خيارا وانما فرضا كنتيجة لعوامل قهرية منها الاعتقالات والاستشهاد والمصادمات مع جنود الاحتلال والمستوطنين وغيرها من الظروف القهرية المشابهة التي أدت إلى غياب المعيل الأساسي الذكر في المجتمعات الأبوية . مما يعني نقل عبء العائلة بالكامل إلى المرأة إلا أن ذلك لم يؤد إلى علانية ومباركة مآل السيطرة للإناث المعيلات والراعيات , بل في كثير من الأحيان يتم تبخيسها وتبخيس أداءها .
ومع العبء المضاعف تبلور موقف نفسي غيرطبيعي لديها فرضته ازدواجية الدور المفروضة والمشكوك في قبوله اجتماعيا .وتحريضات غير واعية حول التماهي مع دور ذكوري أو الاحتفاظ بدور أنثوي .وهوما يستنفر مجموع العناصر النفسية المتنافرة الممهدة لظهور العديد من الاضطرابات النفسية .

ندرك تماما مآل الصراعات الغير معلنة في الصحة النفسية للأفراد الناظمة لقدرتنا على الانتاج والانفتاح على التجارب الجديدة .وتحسين قدرتنا على الادراك الصحيح لإمكانياتنا والسعي لتنمية مهاراتنا , والتبصر بذواتنا .

لم تكن الأرقام التي أوردها الجهاز المركزي لﻺ-;-حصاء الفلسطيني2010 مفاجئة بالنظر لرؤية النساء الضبابية والمشوشة في التعبير عن مواقعهن الجديدة اثر تضاربها مع المواقع القديمة , والتي اتسمت أيضا بالضبابية وعدم الموضوعية والانغلاق والانسحاب والنكوص , المعبر عنهم بجميع الأشكال السلوكية اللفظية والغير لفظية , فقد أشارت الأرقام إلى تعثر التمكين وبطء عجلته بحيث أظهرت :
-تدني نسب مشاركة النساء في القوى العاملة مقارنة بالرجال الذين سجلوا مشاركة تزيد بأكثر من 4 أضعاف مشاركة النساء والفجوة ما زالت ثابتة خﻼ-;-ل الفترة.2010 – 2001
- النساء أقل إندماجاً في مجتمع المعلومات من الرجال .أكثر من ربع النساء 10 سنوات فأكثر يستخدمن اﻹ-;-نترنت، مقابل حوالي 38% من الرجال.
-محدودية تواجد النساء في الحياة العامة
حوالي 5% فقط من السفراء في الخارج نساء. وما يقارب 12% من القضاة نساء. 
حوالي 15% من المحامين المزاولين للمهنة نساء، وما يقارب 7% فقط من أعضاء النقابات العمالية نساء.
هذه طبعا بعض الأرقام المنبئة عن تعثر امكانية توطين التمكين في مجتمعاتنا على الرغم من المجهودات الدولية الداعمة في أحد تجلياته التوصيات المنبثقة عن المؤتمر العالمي للمرأة في بكين، الذي أكد على أنه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة بدون مشاركة إيجابية وفعالة من المرأة في البناء الاقتصادي .

والحالة هذه لايمكننا الحديث عن امكانية نجاح التمكين إن لم تواكبه انطلاقة ثورية مجتمعية فكرية تمهد لتحسين البنى الفكرية للمواطن العربي , والتي هي الأساس في عملية الصهر والخلق والتطويع , وتؤسس لاستئصال الفكر القبلي المشبع بالجمود والانغلاق والحاضر بالعقوبات للخارجين عن طاعته ونواميسه الأزلية , وتعمل على التبصير بحقوق وواجبات مواطنيه وفسح المجال أمامهم لممارستها . وتقدم تثقيف نفسي حقيقي للنساء عن ضرورة الوعي بانبعاثات المخاوف الأصلية القائمة على الوصايا القبلية, التي حرص واضعيها من الذكور على صياغة تبقى المرأة مدانة في ظلها. تثقيف يحرض على الرغبة في احترام الذات والرغبة في نقل مضامين تربوية انسانية للأبناء بعيدا عن اشباعها بالمحرمات الغير مفهومة لتمكينهم من ممارسة أدوار أكثر ايجابية .
لانأمل الكثير كنساء من هذه الفرصة المدعومة دوليا إن لم تدرك مجتمعاتنا كنه وأسباب عدم الاستفادة من فرص المشاريع التنموية , والأطر الفكرية الضيقة التي تحد انطلاقنا مكبلين بالاثم والعار .