وهكَذا يَبدُو من خِلالِ ما مرَّ من أدلَّةٍ، ومناقشاتٍ، ونصوصِ الفراءِ نفسِها، أنّ النحويّينَ ؛ نقلةَ المذاهبِ، ومحرِّريها وَقعُوا في السهْوِ، أوالغَلَطِ، لِبعْدِهم في كثيرٍ من الأحيانِ عن مصادرِ الفراءِ. فما سبقَ صورةٌ، مشوَّهةٌ، مجملةٌ لِمَا نُسِبَ إلى الفراءِ، وهو منه - كما ظهرَ - براءٌ. وهيَ صورةٌ، حقيقيّةٌ، مبنيَّةٌ على ثوابتَ، لا على افتراضاتٍ، بسبَبِ وجودِ كُتُبِ الفراءِ بينَ أيدينَا، ولا سيّما معاني القرآنِ. إنَّ التناقضَ والأوهامَ في مذاهِبِ العالِمِ الواحدِ صِفةٌ من صفاتِ الاضطرابِ في نُقولِ النحويّينَ. ولعلَّ بعدَ الشّقَّةِ بينَ العلماءِ، والاعتمادَ على الآراءِ المرويَّةِ من دونِ الوقوفِ على كُتُبِ المؤلِّفِ، وتعدُّدَ آراءِ العالِمِ الواحدِ، أو رجوعَه عن بعضِ أقوالِه، وعدمَ وصولِ مصنَّفاتِه كلِّها، واختلافَ التلاميذِ، وتعدُّدَ النُّسَّاخِ ؛ لعلَّ ذلكَ كلَّه، أو بعضاً منه وراءَ هذا التدافُعِ، والخلْطِ، وعدمِ الّدقَّةِ في نقْلِ آراءِ الفراءِ، وعرضِ مذاهبِه.