فِي مُصْطَلَحِ النَّحْوِ الكُوفِيِّ تَصْنِيفًا وَاخْتِلَافًا وَاسْتِعْمَالًا

2314's picture
Publication Year: 
2014
Language: 
Arabic
Description: 

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ بِلِسَانِ قَوْمِهِ، بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَعَلَى آلِهِ، وَصَحْبِهِ، وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ أَجْمَعِينَ. وَبَعْدُ:

         فَقَدْ عُنِيَ العُلَمَاءُ، وَالبَاحِثُونَ بِالنَّحْوِ البَصْرِيِّ، أَكْثَرَ مِنْ عِنَايَتِهِمْ بِالنَّحْوِ الكُوفِيِّ. فَمُنْذُ ظُهُورِ كِتَابِ سِيبَوَيْهِ، أَوَّلِ كِتَابٍ جَامِعٍ فِي النَّحْوِ العَرَبيِّ حَتَّى اليَوْمِ، ظَهَرَ مِنَ الكُتُبِ، وَالأَبْحَاثِ فِي النَّحْوِ البَصْرِيِّ مَا لاَ يَكَادُ يُحْصَرُ فِي عَدَدٍ، عَلَى حِينِ لَمْ يُبْذَلْ فِي النَّحْوِ الكُوفِيِّ مِنَ الجُهُودِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَا غَنَاءٍ، إِذَا مَا قُورِنَ بِمَا بُذِلَ فِي النَّحْوِ البَصْرِيِّ.

عَلَى أَنَّ البُحُوثَ النَّحْوِيَّةَ، الَّتِي قَدَّمَهَا البَاحِثُونَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي النَّحْوِ البَصْرِيِّ، أَمْ فِي النَّحْوِ الكُوفِيِّ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهَا لِيَخْتَصَّ بِالمُصْطَلَحِ النَّحْوِيِّ البَصْرِيِّ، أَوِ الكُوفِيِّ، بِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الإِشَارَاتِ السَّرِيعَةِ، وَالمُقْتَضَبَةِ إِلَى بَعْضِ المُصْطَلَحَاتِ، الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الكُتُبِ، الَّتِي تَنَاولَتِ  المَذَاهِبَ النَّحْوِيَّةَ، كَكِتَابِ (مَدْرَسَةِ الكُوفَةِ) لِلدُّكْتُورِ مَهْدِيٍّ المَخْزُومِيِّ، وَكِتَابِ (مَدْرَسَةِ البَصْرَةِ) لِلدُّكْتُورِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّيِّدِ، وَكِتَابِ (المَدَارَسِ النَّحْوِيَّةِ) لِلدُّكْتُورِ شَوقِي ضَيْف، أَوِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي الكُتُبِ، الَّتِي تُعَدُّ مِنْ حَقْلِ التَّارِيخِ النَّحْوِيِّ، كَالكُتُبِ الَّتِي ظَهَرَتْ فِي سِيبَوَيْهِ، وَالأَخْفَشِ، وَالكِسَائِيِّ، وَالفَرَّاءِ، وَالمُبَرِّدِ، وَأَبِي عَلِيٍّ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ جِنِّي، وَالزَّجَّاجِيِّ، وَالزُّبَيدِيِّ، وَابْنِ النَّاظِمِ، وَغَيْرِهِمْ.

         فَمِنْ هَذَا الإِحْسَاسِ بِقِلَّةِ الكُتُبِ، المُؤَلَّفَةِ فِي المُصْطَلَحِ النَّحْوِيِّ، وَحَاجَةِ البَاحِثِينَ، وَالدَارِسِينَ إِلَى التَّعْرِيفِ بِالنَّحْوِ الكُوفِيِّ، وَمُصْطَلَحَاتِهِ، وَتَوَافُرِ المَادَّةِ الغَزِيرَةِ بَيْنَ يَدَيَّ عَنِ المُصْطَلَحِ الكُوفِيِّ، انْطَلَقَتْ، عِنْدِي، فِكْرَةُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ[1]؛ لِتَبْحَثَ فِي مُصْطَلَحِ النَّحْوِ الكُوفِيِّ تَصْنِيفًا، بِحَسَبِ الأَبْوَابِ النَّحْوِيَّةِ، وَاخْتلَافًا مَعَ المُصْطَلَحِ البَصْرِيِّ، وَاسْتِعْمَالًا لَدَى النَّحْوِيِّينَ.

         وَقَدْ جَاءَتْ خُطَّةُ البَحْثِ وَفْقًا لِلمُصْطَلَحَاتِ النَّحْوِيَّةِ، وَمَوْقِعِهَا مِنَ الظَّوَاهِرِ النَّحْوِيَّةِ؛ مِنْ تَمْهِيدٍ، وَبَابَيْنِ، وَسِتَّةِ فُصُولٍ.

         فَفِي التَّمْهِيدِ أَلْمَمْتُ إِلمَامَةً مُوجَزَةً بِنَشْأَةِ البَحْثِ اللُّغَوِيِّ، وَأَنَّهُ بَدَأَ بِأَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، ثُمَّ عَرَضْتُ لِلْكَلَامِ عَلَى نَشْأَةِ المَذْهَبِ الكُوفِيِّ، وَتَمَيُّزِهِ عَنِ المَذْهِبِ البَصْرِيِّ، وَاخْتِلاَفِ العُلَمَاءِ، وَالبَاحِثِينَ فِي تَحْدِيدِ المُؤَسِّسِ الأَوَّلِ لِمَدْرَسَةِ الكُوفَةِ، وَأَنْبَهْتُ إِلَى أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرُّؤَاسِيَّ مِنَ المُؤَسِّسِينَ الأَوَّلِينِ لِمَدْرَسَةِ الكُوفَةِ، وَأَنَّ الكِسَائِيَّ وَالفَرَّاءَ؛ تِلْمِيذَيْهِ، هُمَا اللَّذَانِ نَهَضَا بِهَا، وَمَيَّزَاهَا مِنْ مَدْرَسَةِ البَصْرَةِ؛ مَنْهَجًا، وَأُسْلُوبًا.

         ثُمَّ عَرَضْتُ لِأَهمِّ مَصَادِرِ النَّحْوِ الكُوفِيِّ، فَوَجَدْتُهَا أَرْبَعَةً. هِيَ: النَّحْوُ البَصْرِيُّ، وَلُغَاتُ الأَعْرَابِ، وَالشِّعْرُ العَرَبِيُّ، وَالقِرَاءَاتُ القُرْآنِيَّةُ. ثُمَّ تَكَلَّمْتُ عَلَى خَصَائِصِ المَدْرَسَةِ الكُوفِيَّةِ، الَّتِي مَيَّزَتْهَا مِنْ مَدْرَسَةِ البَصْرَةِ، فَأَلَفِيتُهَا تَمْتَازُ بِالاعْتِمَادِ عَلَى المَسْمُوعِ مِنْ كَلَامِ العَرَبِ، وَالبُعْدِ عَنِ التَّأْوِيلِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالخَوْضِ فِي القَضَايَا الفَلْسَفِيَّةِ، وَالمَنْطِقِيَّةِ، فِي تَعْلِيلِ الظَّوَاهِرِ النَّحْوِيَّةِ، وَبِالاعْتِدَادِ بِالشَّوَاهِدِ الفَرْدِيَّةِ، وَتَعْمِيمِ الظَّاهِرَةِ الوَاحِدَةِ، وَالقِيَاسِ عَلَيْهَا، حَتَّى إِنْ لَمْ يَرِدْ غَيْرُهَا فِي اللُّغَةِ.

         ثُمَّ سَرَدْتُ، بَعْدَ ذَلِكَ، أَغْلَبَ أَعْلَامِ المَدْرَسَةِ الكُوفِيَّةِ، وَسَمَّيْتُهُمْ، مِنْ دُونِ أَنْ أُتَرْجِمَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ بَحْثًا كَهَذَا، لَا يَتَّسِعُ المَجَالُ فِيهِ لِمِثْلِ هَذَا.

         ثُمَّ تَكَلَّمْتُ عَلَى المُصْطَلَحِ، وَأَهَمِيَّتِهِ العِلْمِيَّةِ، فِي الرَّمْزِ إِلَى المَعْنَى بِأَيْسَرِ السُّبُلِ، وَالاسْتِعَانَةِ عَلَى التَّعَلُّمِ، وَتَبَادُلِ الآرَاءِ، وَالأَفْكَارِ بَيْنَ العُلَمَاءِ. وَأَشَرْتُ إِلَى نَشْأَةِ المُصْطَلَحِ النَّحْوِيِّ، وَأَنَّ هَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً عِنْدَ الأَعْرَابِ؛ أَصْحَابِ اللُّغَةِ. وَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ المُصْطَلَحَاتِ النَّحْوِيَّةَ البَصْرِيَّةَ نَشَأَتْ قَبْلَ الكُوفِيَّةِ، بِحُكْمِ سَبْقِ البَصْرَةِ الكُوفَةَ فِي الدِّرَاسَةِ النَّحْوِيَّةِ، وَإِنَّ النَّحْوَ الكُوفِيَّ تَمَيَّزَ عَنِ البَصْرِيِّ، وَاتَّخَذَ لِنَفْسِهِ مُصْطَلَحَاتٍ خَاصَّةً، تُغَايِرُ مُعْظَمَ المُصْطَلَحَاتِ البَصْرِيَّةِ.

         وَأَمَّا البَابُ الأَوَّلُ، فِيقَعُ فِي فَصْلَيْنِ.

         الفَصْلُ الأَوَّلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ الأَبْوَابِ النَّحْوِيَّةِ. وَكَانَ أَوَّلُ مَا تَحَدَّثْتُ فِيهِ عَنْ أَقْسَامِ الكَلِمَةِ: الاسْمِ، وَالفِعْلِ، وَالأَدَاةِ، وَمُصْطَلَحَاتِ الكُوفِيِّينَ فِيهَا. فَفِي القِسْمِ الأَوَّلِ، وَهُوَ الاسْمُ، تَحَدَّثْتُ عَنِ اصْطِلاَحَاتِ المَكْنِيَّاتِ، وَحُرُوفِ المُثُلِ، وَصِلَةِ المَوْصُولِ، فَوَجَدْتُهَا مُتَعَدِّدَةً، وَلَا سِيَّمَا اصْطِلَاحَاتُ المَكْنِيَّاتِ. وَفِي القِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الفِعْلُ، بَيَّنْتُ التَّسْمِيَاتِ الكُوفِيَّةَ، الَّتِي أُطْلِقَتْ عَلَى الأَفْعَالِ، وَأَشَرْتُ إِلَى أَنَّ أَقْسَامَ الفِعْلِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ تَخْتَلِفُ عَنْهَا عِنْدَ البَصْرِيِّينَ. فَوَجَدْتُهُمْ يَتَّفقُونَ مَعَ البَصْرِيِّينَ عَلَى الفِعْلِ المَاضِي، وَالفِعْلِ المُضَارِعِ، وَيَخْتَلِفُونَ مَعَهُمْ فِي القِسْمِ الثَّالِثِ، وَهُوَ فِعْلُ الأَمْرِ، الَّذِي يَعُدُّونَهُ لَيْسَ قِسْمًا لِلمَاضِي وَالمُضَارِعِ، كَمَا يَرَى البَصْرِيُّونَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الفِعْلِ المُضَارِع، وَمُقْتَطَعٌ مِنْهُ.

         ثُمَّ بَيَّنْتُ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِالأَفْعَالِ مَوَادَّ لُغَوِيَّةً، هِيَ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ أَسْمَاءٌ، كَاسْمِ الفَاعِلِ، الَّذِي يُسَمُّونَهُ فِعْلًا دَائِمًا، وَيَعُدُّونَهُ القِسْمَ الثَّالِثَ مِنْ أَقْسَامِ الفِعْلِ، وَأَلْحَقُوا، أَيْضًا، بِالأَفْعَالِ المَصْدَرَ، وَأَسْمَاءَ الأَفْعَالِ، وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ بَيَّنْتُ بَعْضَ التَّسْمِيَاتِ، الَّتِي أَطْلَقَهَا الكُوفِيُّونَ عَلَى هَذِهِ المَوَادِّ اللُّغَوِيَّةِ.

         وَعَرَضْتُ بَعْدَ ذَلِكَ مُصْطَلَحَ الفِعْلِ الوَاقِعِ، وَغَيْرِ الوَاقِعِ، الَّذِي يَعْنِي عِنْدَ البَصْرِيِّ الفِعْلَ المُتعَدِّيَ، وَغَيْرَ المُتَعَدِّي، وَمُصْطَلَحَ الفِعْلِ التَّامِّ، وَالنَّاقِصِ، الَّذِي يَعْنِي عِنْدَ البَصْرِيِّينَ مَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ، وَمَا يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ.

         ثُمَّ تَحَدَّثْتُ عَنِ القِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَقْسَامِ الكَلِمَةِ، وَهُوَ الأَدَاةُ، فَبَيَّنَتُ أَنَّهُ مُصْطَلَحٌ كُوفِيٌّ، يُقَابِلُهُ مُصْطَلَحُ حَرْفٍ، جَاءَ لِمَعْنًى عِنْدَ البَصْرِيِّينَ.

         وَبَعْدَ أَنْ فَرَغْتُ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ أَقْسَامِ الكَلِمَةِ، تَحَدَّثْتُ عَنْ بَعْضِ مُصْطَلَحَاتِ المَرْفُوعَاتِ، كَمُصْطَلَحِ مَا لمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالمَجْهُولِ، وَمُصْطَلَحِ الفِعْلِ، الَّذِي كَانَ يُطْلِقُهُ الفَرَّاءُ عَلَى خَبَرِ المُبْتَدَأِ، وَخَبَرِ النَّوَاسِخِ.

         ثُمَّ انْتَقَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الاسْمِ المَنْصُوبِ. فَبَيَّنْتُ تَسْمِيَاتِ المَفَاعِيلِ الخَمْسَةِ، وَالتَّمْيِيزِ، وَالحَالِ، وَالاسْتِثْنَاءِ، وَالمُنَادَى، وَرَأَيْتُ أَنَّ الكُوفِيِّينَ قَدْ يُطْلِقُونَ المُصْطَلَحَ الوَاحِدَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مَنْصُوبٍ، كَمَا هِيَ الحَالُ فِي مُصْطَلَحِ التَّفْسِيرِ، مَثَلاً، الَّذِي أَطْلَقُهُ الكُوفِيُّونَ عَلَى المَفْعُولِ لأَجْلِهِ، وَالمَفْعُولِ مَعَهُ، وَالتَّمْيِيزِ، ثُمَّ أَطْلَقُوهُ كَذَلِكَ عَلَى تَابِعٍ مِنَ التَّوابِعِ، هُوَ البَدَلُ.

         ثُمَّ عَرَضْتُ الاسْمَ المَجْرُورَ، فَتَكَلَّمْتُ عَلَى مُصْطَلَحِ الخَفْضِ، وَالصِّفَاتِ، وَالخَوَافِضِ، وَحُرُوفِ الإِضَافَةِ، وَبَيَّنْتُ أَنَّ مُصْطَلَحَ الخَفْضِ لَيْسَ مِنِ ابْتِكَارَاتِ الكُوفِيِّينَ، وَإِنَّمَا اقْتَبَسُوهُ مِنَ الخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، الَّذِي كَانَ يُطْلِقُهُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ أَعْجَازِ الكَلِمِ مُنَوَّنًا.

         ثُمَّ دَرَسْتُ مُصْطَلَحَاتِ التَّوَابِعِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا، فَبَيَّنْتُهَا وَاحِدًا وَاحِدًا، وَقَرَّرْتُ أَنَّ مُصْطَلَحَ النَّسَقِ لَيْسَ مِنِ ابْتِكَارَاتِ الكُوفِيِّينَ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ الخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ، وَوَجَدْتُ، كَذَلِكَ، أَنَّ الكُوفِيِّينَ يُطْلِقُونَ أَكْثَرَ مِنْ تَسْمِيَةٍ عَلَى التَّابِعِ الوَاحِدِ، كَمَا هِيَ الحَالُ، مَثَلاً، فِي مُصْطَلَحِ البَدَلِ، الَّذِي سَمَّاهُ الكُوفِيُّونَ بِأَكْثَرَ مِنْ تَسْمِيَةٍ.

         وَأَمَّا الفَصْلُ الثَّانِي، فَجَعَلْتُهُ فِي الإِعْرَابِ، وَالبِنَاءِ. فَتَحَدَّثْتُ فِيهِ أَوَّلاً عَنْ خَلْطِ الكُوفِيِّينَ عَلاَمَاتِ الإِعْرَابِ بِعَلاَماتِ البِنَاءِ، مِنْ دُونِ أَنْ يَمِيزُوا بَيْنَهَا كَالبَصْرِيِّينَ، وَعَنْ مُصْطَلَحِ المُجْرَى، وَغَيْرِ المُجْرَى، وَهُوَ مَا يُسَمِّيهِ البَصْرِيُّونَ المَصْرُوفَ، وَالمَمْنُوعَ مِنَ الصَّرْفِ.

         ثُمَّ تَحَدَّثْتُ عَنِ العَوَامِلِ النَّحْوِيَّةِ. فَبَدَأْتُهَا بِمُقدِّمَةٍ، تَارِيخِيَّةٍ، مُخْتَصَرَةٍ عَنِ العَامِلِ. ثُمَّ قَسَّمْتُ مَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنْ مُصْطَلَحَاتٍ إِلَى قِسْمَيْنِ؛ قِسْمِ العَوَامِلِ اللَّفْظِيَّةِ، وَقِسْمِ العَوَامِلِ المَعْنَوِيَّةِ، فَوَجَدْتُ النَّحْوَ الكُوفِيَّ غَنِيًّا بِالعَوَامِلِ المَعْنَوِيَّةِ، عَلَى حِينَ لَيْسَ فِي النَّحْوِ البصريِّ سِوَى عَامِلَيْنِ اثْنَيْنِ؛ هُمَا الابْتِدَاءُ، وَقِيَامُ الفِعْلِ المُضَارِعِ مَقَامَ الاسْمِ. وَعَلَى هَذِهِ العَوَامِلِ المَعْنَوِيَّةِ ارْتَكَزَ النَّحْوُ الكُوفِيُّ فِي تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنْ ظَوَاهِرِ الإِعْرَابِ، وَهِيَ عَوَامِلُ تُمَثِّلُ لَبِنَةً أَسَاسًا فِي بِنَاءِ قَوَاعِدِ العَرَبِيَّةِ عِنْدَهُمْ.

         وَبِهَذَا انْتَهَيتُ مِنَ البَابِ الأَوَّلِ.

وَأَمَّا البَابُ الثَّانِي، فَجَعَلْتُهُ فِي الأَدَوَاتِ النَّحْوِيَّةِ، وَقَسَّمْتُهُ، بِحَسَبِ تَآلُفِ هَذِهِ الأَدَوَاتِ، وَارْتِبَاطِهَا، بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، إِلَى أَرْبَعَةِ فُصُولٍ.

         الفَصْلُ الأَوَّلُ كَانَ فِي تَسْمِيَةِ الأَدَوَاتِ النَّحْوِيَّةِ، كَمَا ظَهَرَتْ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ. فَوَجَدْتُ أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يَعْمَدُونَ إِلَى مُخَالَفَةِ البَصْرِيِّينَ فِي تَسْمِيَةِ عَدَدٍ مِنَ الأَدَوَاتِ، فَجَمَعْتُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ التَّسْمِيَاتِ.

         وَالفَصْلُ الثَّانِي كَانَ فِي اخْتِلاَفِ الكُوفِيِّينَ، والبَصْرِيِّينَ فِي خَصَائِصِ بَعْضِ الأَدَوَاتِ؛ أَسْمَاءٌ هِيَ، أَمْ أَفْعَالٌ، أَمْ حُرُوفٌ، وَبَيَّنْتُ مَوْقِفَ كُلِّ فَرِيقٍ إِزَاءَ هَذِهِ الأَدَوَاتِ، وَجَمَعْتُ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ هَذِهِ الأَدَوَاتِ، وَصَلَتْ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلاثَ عَشْرَةَ أَدَاةً.

         وَالفَصْلُ الثَّالِثُ كَانَ فِي مَعَانٍ جَدِيدَةٍ، أَثْبَتَهَا الكُوفِيُّونَ لِبَعْضِ الأَدَوَاتِ النَّحْوِيَّةِ، عَلَى حِينَ أَهْمَلَهَا البَصْرِيُّونَ، وَلَمْ يَعَتَدُّوا بِهَا، فَوَجَدْتُهَا مَعَانِيَ كَثِيرةً، اعْتَمَدُوا فِي تَحْدِيدِهَا عَلَى مَنْزِلةِ الأَدَاةِ فِي تَأْلِيفِ الكَلَامِ، وَتَرْكِيبِهِ.

وَأَمَّا الفَصْلُ الرَّابِعُ، فَتَحَدَّثْتُ فِيهِ عَنْ أَدَوَاتٍ جَدِيدَةٍ، قَالَ بِهَا الكُوفِيُّونَ، وَأَضَافُوهَا إِلَى النَّحْوِ العَرَبِيِّ، عَلَى حِينَ أَنْكَرَهَا البَصْرِيُّونَ، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا؛  لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى أَقْيِسَتِهِمْ، وَأُصُولِهِمُ الَّتِي وَضَعُوهَا، فَوَجَدْتُهَا أَدَوَاتٍ كَثِيرَةً، جَمَعْتُهَا فِي مَجْمُوعَاتٍ، كُلُّ مَجْمُوعَةٍ تَحْتَ ظَاهِرَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَكَانَ أَدَوَاتٌ لِلْجَزْمِ، وَأُخْرَى لِلاسْتِثْنَاءِ، وَثَالِثَةٌ لِلْعَطْفِ، وَرَابِعَةٌ لِلنَّصْبِ، وَهَكَذَا. وَبِذَلِكَ يَكُونُ الكُوفِيُّونَ قَدِ اسْتَدْرَكُوا عَلَى البَصْرِيِّينَ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ، وَالإِضَافَاتِ، الَّتِي أَهْمَلَهَا البَصْرِيُّونَ، وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا.

         وَأَمَّا عَنْ مَنْهَجِي فِي عَرْضِ المُصْطَلَحَاتِ، وَالكَلَامِ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَتَمَثَّلُ، فِي أَغْلَبِ الأَحْيَانِ، فِي ذِكْرِ المُصْطَلَحِ، وَمَا يُقَابِلُهُ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ، أَوِ العَكْسِ، ثُمَّ تَعْرِيفِهِ لُغَةً، وَاصْطِلاَحًا، ثُمَّ اسْتِعْمَالِهِ عِنْدَ الكُوفِيِّينَ، أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، أَوِ اسْتِعْمَالِ الكُوفِيِّينَ مُصْطَلَحَ غَيْرِهِمْ. فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ سَيْرِ البَحْثِ أَنَّ المُصْطَلَحَاتِ النَّحْوِيَّةَ، لَمْ تَكُنْ وَاضِحَةَ التَّمْيِيزِ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ كُلِّ مَذْهِبٍ لَهَا، عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ اليَوْمَ، فَكَثِيرًا مَا وَجَدْتُ البَصْرِيِّينَ، أَوْ بَعْضَهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ مُصْطَلَحَ الكُوفِيِّينَ، وَالكُوفِيِّينَ، أَوْ بَعْضَهُمْ يَسْتَعْمِلُونَ مُصْطَلَحَ البَصْرِيِّينَ. وَمِثْلُ هَذَا وَاضِحٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ المُصْطَلَحَاتِ النَّحْوِيَّةِ، الَّتِي عَرَضْتُ لَهَا. وَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبُ ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى أَنَّ النَّحْوَ كَانَ فِي أَوَّلِيَّتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ هَمُّ أَحَدِهِمْ إِذَا اسْتَعْمَلَ هَذَا المُصْطَلَحَ، أَوْ ذَاكَ، إِلاَّ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْ مُرَادِهِ، بِحَسَبِ حِسِّهِ النَّحْوِيِّ عِنْدَ اسْتِعْمَالِهِ. كَمَا ثَبَتَ، أَيْضًا، أَنَّ المُصْطَلَحَ البَصْرِيَّ هُوَ الَّذِي شَاعَ، وَأُخِذَ بِهِ، وَأَنَّ النِّسْيَانَ لَفَّ المُصْطَلَحَاتِ الكُوفِيَّةَ، بِاسْتِثْنَاءِ عَدَدٍ يَسِيرٍ مِنْهَا، كُتِبَ لَهُ الشُّيُوعُ، وَالذُّيُوعُ.

         وَقَدِ اعْتَمَدْتُ فِي تَوْثِيقِ المُصْطَلَحِ النَّحْوِيِّ الكُوفِيِّ عَلَى نَوْعَيْنِ مِنَ المَصَادِرِ؛ مَصَادِرَ أَسَاسٍ، هِيَ كُتُبُ الكُوفِيِّينَ أَنْفُسِهِمْ، كَكِتَابِ (مَعَانِي القُرْآنِ) لِلفَرَّاءِ، وَ(المَجَالِسِ) وَ(الفَصِيحِ) لِثَعْلَبٍ، وَ(المُذَكَّرِ وَالمُؤَنَّثِ)، وَ(الأَضْدَادِ)، وَ(إِيضَاحِ الوَقْفِ وَالابْتِدَاءِ) لابْنِ الأَنْبَارِيِّ؛ لِذَلِكَ تَجِدُنِي أُكْثِرُ مِنَ النُّصُوصِ الكُوفِيَّةِ، المُسْتَعْمَلِ فِيهَا المُصْطَلَحُ، تًوْثِيِقًا لَهُ؛ وَمَصَادِرَ فَرْعِيَّةٍ، هِيَ مُطَوَّلاَتُ النَّحْوِ، وَبَعْضُ الكُتُبِ الأُخْرَى، الَّتِي وَجَدْتُ فِيهَا إِشَارَاتٍ إِلَى مُصْطَلَحَاتِ النَّحْوِ الكُوفِيِّ.

وَبِهَذَا انْتَهَيْتُ تَمَامًا مِنْ دِرَاسَةِ النَّحْوِ الكُوفِيِّ، مُلِمًّا بِأَغْلَبِ هَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ، مُحَاوِلًا مَا أَمْكَنَنِي الحَصْرُ، وَالجَمْعُ، بَاذِلاً مَا لَدَيَّ مِنْ جُهْدٍ، وَقُدْرَةٍ فِي إِنْجَازِ هَذِهِ الدِّرَاسَةِ.

وَكَانَ لِلأُسْتَاذِ المُشْرِفِ فَضْلُ المُتَابَعَةِ وَالتَّوْجِيهِ، وَلَهُ عَلَيَّ العِرْفَانُ بِالفَضْلِ، وَالشُّكْرِ، وَلِكُلِّ مَنْ مَدَّ إِلَيَّ يَدَ العَوْنِ فِي إِنْجَازِ هَذَا البَحْثِ، وَأَخُصُّ بِالذِّكْرِ لَجْنَةَ المُنَاقَشَةِ. أَخَذَ اللهُ بِيَدِ الجَمِيعِ إِلَى مَا فِيهِ صَلَاحُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَسَلَامَةُ لُغَتِهَا، وَنَحْوِهَا. وَمِنَ اللهِ نَسْتَمِدُّ العَوْنَ، فَهُوَ نِعْمَ المَوْلَى، وَنِعْمَ النَّصِيرِ.

 

[1] أَصْلُ هَذَا البَحْثِ رِسَالَةُ (مَاجِسْتير)، قُدِّمَتْ عَامَ 1983م، اسْتِكْمَالًا لِمُتَطَلَّبَاتِ دَرَجَةِ (المَاجِسْتير)، فِي جَامِعَةِ اليَرْمُوكِ، فِي إِرْبِدَ، فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ.

AttachmentSize
_مصطلح_النحو_الكوفي 1.pdf2.03 MB