علاج السحر والجنون والحسد من الكتاب والسنة

2117's picture
Authors: 
محمد حافظ الشريدة
كلية الشريعة، جامعة النجاح الوطنية
Current Affiliation: 
قسم أصول الدين، كلية الشريعة، جامعة النجاح الوطنية
Preferred Abstract (Original): 

الحمد الله وحده ، والصلاة على من لا نبي بعده :

وبعد :

فإذا كان مرض ( الإيدز ) قد أفزع الناس في الغرب الكافر ، فإن السحر أو الجنون أو الحسد قد أفزع كثيرا من الناس في الشرق العاصي الجاهل ! وذلك لضعف الإيمان في القلوب ، ولاختلاط الحق بالباطل ، ولتفشي الجهل والبدع والخرافات بين المسلمين .

ومن فضل الله على الأمة الإسلامية : أن الرسول محمدا ( صلى الله عليه وسلم ) لم يلتحق بالرفيق الأعلى إلا بعد أن تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها سواء ، وأرشدها لما فيه خيري الدنيا والآخرة ، وحذرها من كل ما يؤدي لشقاء أو عذاب .

ومن القضايا العقائدية التي بينها القرآن الكريم بإيجاز وشرحتها السنة المطهرة بتفصيل : السحر والجنون والحسد ، وما يتعلق بكل منها : من أسباب ووقاية وآثار وعلاج .

وقد انقسم ـ الناس قديما وحديثا ـ في نظرتهم للسحر والجنون والحسد أربعة أقسام :

قسم ينكر ما غاب عن عالم من غيبيات ، فلا يؤمن إلا بالمحسوس ، فما دام لا يرى الملائكة أو الجن فإنه يجحد ما يصدر عنها من أفعال !! ونقول لهؤلاء : ليس كل ما لا يرى غير موجود ، فإن الجاذبية والجراثيم والمغناطيسية والكهرباء يعترف بوجودها وآثارها العالم والجاهل والمؤمن والكافر ، ذلك أن البعرة تدل على البعير والآثر يدل على المسير : وما دام ذلك كذلك : فيجب الإيمان بالله تعالى أولا : والإيمان بكل ما جاء من عنده تعالى من عقائد وعبادات ونظم حياء وأخلاق ثانيا .

وقسم يؤمن بالغيبيات لكنه مع الأسف ـ تنكب هدي النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في علاج السحر والجنون والحسد ، فاستقى علمه من أهل الكتاب ، واتصل بالشياطين ، وأتقن فن الشعوذة  والحيل ودرس كتب التنجيم والطلاسم ، وادعى معرفة الغيب والإتيان بالخوارق ، والقدرة على الإضرار والنفع ! ونقول لهذا الصنف من الناس : إذا كنتم كما تزعمون ـ معرفة وقدرة وإمكانيات ـ فلماذا لا تحصلون على أسرار القنبلة النووية وتبيعونها للدول النامية ؟! ولماذا لا توفرون على أنفسكم الجهد والوقت فتأتون بكنوز الأرض والناس ، بدل أن تأخذوا الدينار والدرهم ـ وما تيسر ـ ممن يتردد عليكم ؟!

ولماذا لا تعالجون أقرب الناس إليكم ـ من الأهل والعشيرة ـ من مختلف الأمراض المادية والمعنوية والنفسية إن كنتم صادقين ؟ !

وقسم جمع بين العلم والإيمان ، والمعرفة والسلوك ، والعمل والتوكل ، والنقل والعقل ، فآمن بالغيبيات عن قناعة ، وأخذ بالأسباب على بصيرة ، وبحث عن سنن الله آياته في الأنفس والأرض والآفاق ، فآتاه الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، وجعله موئلا للتائهين والحائرين الجاهلين ، وعصمه الله من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الفاسقين .

وقسم لم يؤت من الإيمان والحكمة والعلم إلا قليلا ، فتراه يدور مع مصالحه الشخصية والوقتية حيث دارت ، فلا يبالي بحلال أو حرام في سبيل شفاء مريضه الذي ابتلاء الله بالداء العضال أو السحر أو الجنون أو العين ! فتراه يذهب للمشعوذين والكهنة لمعالجته بما يغضب الله تعالى ، بعد أن عجز مهرة الأطباء عن مداواته ! بحجة واهية شائعة مؤداها : (المريض يتعلق بأحبال الهواء ! ) . ونقول لهؤلاء : رويدكم يا عباد الله ! فإن الله تعالى وحده النافع الضار ، وهو وحده عالم الغيب والشهادة ، وهو وحده القادر على كل شيء ، وهو وحده الملاذ للعباد ، وهو وحده مجيب المضطر إذا دعاه ، وهو وحده الفعال لما يريد ، وهو وحده الذي خلق الداء والدواء ، وبين على لسان نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) علاج كثير من الأمراض المادية والنفسية والشيطانية ، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، رضي من رضي وسخط من سخط ، وما على المسلم إلا أن يصبر على ما جرى به القضاء ، وما الخسارة في الواقع إلا خسارة الدين !!

وبهذا المناسبة نؤكد على ضرورة تشخيص المرض ـ أي مرض كان ـ حتى يتم تقديم العلاج المناسب الشافي بإذن الله . فقد يكون المريض مصابا بفقر دم  أو بمرض مزمن أو بمرض معد أو بمرض خبيث أو بمرض غبر مكتشف ! وقد يكون مصابا بمرض نفسي أو بانفصام في الشخصية ! وقد يكون مصابا بسحر أو جنون أو حسد ! وقد يكون مصابا بوهم أو خوف أو خيالات أو أحلام يقظة ! وقد يكون معقدا من مشاكله البيتية العائلية ، وقد يكون عصبيا نكدا ، لا يملك نفسه عند الغضب ! وقد يكون فاشلا في زواجه أو بتجارته أو دراسته أو تعامله مع الآخرين ! وقد يكون به عاهات ظاهرة أو باطنة ، وقد يكون مصابا بالوسوسة أو الخبل أو الغباء ـ فلا يجوز إلصاق أي مرض بالسحر أو الجنون أو الحسد ، إلا بعد التأكد التام من الأطباء المختصين أن هذا المريض لا يمكن علاجه أو معرفة مرضه ! ومن ثم يقوم العالم العامل الداعية بعلاجه في ضوء الكتاب والسنة ، بعد أن يذكر المريض ! -وأهله ـ بتقوى الله وطاعته، والابتعاد عن المحرمات ، والتوبة والاستغفار ، والذكر والدعاء والصبر والأمل . 

AttachmentSize
علاج السحر والجنون والحسد من الكتاب والسنة288.1 KB