وثائق الطوائف الحرفية في القدس في القرن السابع عشر الميلادي/ تصنيف وتحقيق د. محمود علي عطا الله

yahyaj's picture
Published at: 
مجلة المأثورات الشعبية/ قطر/ العدد الخامس والثلاثون، يوليو 1994م
Year: 
2009

 

          صدر هذا الكتاب عن مركز التوثيق والمخطوطات والنشر بجامعة النجاح الوطنية بنابلس، ويقع في جزأين من نحو سبعمائة صفحة. وقد استخلص المحقق مادته من سجلات محكمة القدسالشرعية، وصدر الجزء الأول في ذي الحجة سنة 1411هـ، يونيو حزيران 1991، وصدر الجزء الثاني في أواخر العام المنصرم. وقد ذيّل المحقق كلا من الجزأين بفهارس، تسهّل الرجوع إليه، والإفادة منه. ويبلغ عدد السجلات العثمانية التي استقى المحقق مادة كتابه منها، ستمائة وخمسة سجلات.

 

قيمة الكتاب:

          لهذا الكتاب قيمة كبيرة، ليس من حيث تلبيته لدعوات الباحثين في هذا المجال، وسدّ ثغرة في مشروع التأريخ لفلسطين في العصر الحديث وحسب، ولكن لاستناد مادته إلى الوثائق الشرعية في سجلات محكمة القدس، التي سلمت من عوادي الزمن وعبث العابثين، على عكس مما آلت إليه وثائق المحاكم في المدن والقرى كغزة ويافا وعكا، إذ تعرضت للتلف الجزئي، وفقد بعضها.

          ويعود تاريخ أول سجلات محكمة القدس الشرعية إلى الرابع عشر من شوال سنة 936هـ الموافق 11/6/1530، أي إلى ما بعد بداية الحقبة العثمانية بأربعة عشر عاما.

 

المحتوى:

          يتضمن هذا الكتاب وثائق كثيرة من عقود وصكوك وكتب رسمية من تعيين وعزل، وشكاوى ومذكرات ونحو ذلك. وقد سلك المحقق في تصنيفها وتبويبها منهجا يعتمد على تخصيص حصة لكل طائفة، يسرد فيها ما توصل إليه من الوثائق التي تتصل بتلك الطائفة.

          وقد مهد للجزء الأول بما بيّن فيه مصادر الوثائق، وهي سجلات المحكمة الشرعية، ثم انتقل إلى بيان أهمية تلك السجلات وتواريخها واللغة التي صيغت بها، وهي العربية، والتركية، والخطوط التي دُوّنت بها. واستعرض المصنف عقب ذلك، علاقة الدولة ممثلة على وجه الخصوص بشخص الحاكم الشرعي (القاضي) والحاكم العرفي ـ ميرلوا ـ بالطوائف الحرفية.

          ثم استعرض المحقق ازدهار الحرف وأنواعها، والقطاعات الشعبية التي تعتمد عليها في توفير الدخل اللازم.

          ومن الإشارات التي نقف عليها في هذا المجال، أن أحدا من المسلمين لم يكن في طائفة الشمّاعين، وهم الذين يكتسبون أرزاقهم عن طريق صناعة الشمع وأدواته وبيعها. بينما كان المنتسبون لهذه الطائفة من النصارى في الأعم الأغلب. كما أن المسلمين لم يهتموا كثيرا بحرفتي الخياطة والصباغة، وكان جلّ المنتسبين إليهما من النصارى واليهود.

          وعقب ذلك، راح المصنف يسرد الطوائف واحدة تلو واحدة، ويرد تحت كل طائفة، جملة من الوثائق من تعيين وشكاوى وممارسات مخالفة وتنبيهات واتفاقات وغيرها. وقد جعل لكل من الطوائف والوثائق سلسلتين رقمهما فيهما. وفيما يلي عرض للتفصيلات التي أوردها المصنف بخصوص عدد من الطوائف (19 ـ 34):

1.    طائفة الأساكفة: جمع إسكاف، وإسكافي، وهو الحرفي الذي يصنع الأحذية من الجلد ويعالجها.

1 ـ وثيقة تعيين السيد تاج الدين بن السيد علي، وذلك سنة 1016 هـ.

3 ـ وثيقة تعيين مشايخ الأساكفة.

4 ـ وثيقة شكوى الأساكفة اليهود من شيخ طائفة اليهود.

6 ـ وثيقة ممارسة بعض الأساكفة لصناعة الدباغة بجانب صنعتهم.

2.    طائفة الأطباء والجراحين والحكماء:

9 ـ وثيقة تعيين إبراهيم بن موسى جرّاحا في البيمارستان ـ المستشفى ـ الصلاحيّ، ويعود تاريخها إلى يوم الخميس 8 رمضان 1013هـ.

14 ـ وثيقة تنبيه يوسف بن خضير بعدم تعاطي صنعة الجراحة والالتزام بصنعته.

18 ـ وثيقة إذن بإجراء عملية سرطان الفم، وتعود إلى 19 محرم سنة 1038 هـ. وجاء فيها:

     بالمجلس الشرعي المحرر المرعي ـ أجلّه الله تعالى ـ لدى مولانا قدوة القضاة، محرر القضايا والأحكام، صدْر المدرسين الكرام، الحاكم الشرعي، المولى طه أفندي ابن الشيخ صالح الديري الواضح خطه الكريم أعلاه نظيره ـ أدام الله علاه ـ حضر محمد بن شرف الدويك، وأشهد على نفسه طايعا مختارا، أنه أذن لعلي بن عصفور من أهالي قرية بيت صفافا الكاينة بظاهر القدس الشريف، أن يقطع ما به من السرطان، الذي بفمه، ومنعه من الأكل والشرب، إذنا شرعيا، وأنه إن حصل له شيء بسبب شيء فدمه هدر، وحضر أخواه خليل وصالح وأمهم فاطمة شهود الحال.

3.    طائفة بائعي الكتب:

4.    طائفة البياطرة.

8. طائفة الحدادين.

10. طائفة الحلوانية.

12. طائفة الحمامين والحلاقين.

14. طائفة الخبازين.

28. طائفة الشماعين.

323 ـ وثيقة تعيين خليل بن ميخائيل.

324 ـ وثيقة تحديد سعر الشمع المحلي.

30. طائفة الصياغ، وهي آخر الجزء الأول.

وفي الجزء الثاني، لم يحد المحقق عما انتهجه في الجزء الأول، بل لقد تابع فيه تسلسل كل من الطوائف والوثائق. فبدأه بطائفة الطحانين وأعطاها رقم 13 ، وأولى الوثائق الخاصة بهذه الطائفة وردت تحت رقم 376.

ومن الطوائف الحرفية التي استعرضها المحقق في هذا الجزء:

35. طائفة العلافين.

36. طائفة الفتّالين ـ فتل الحبال والخيوط.

38. طائفة الفواخيرية: صناعة الفخار.

41.  طائفة القصابين.

493 ـ وثيقة تنبيه بعدم الذبح في البيوت أو الأديرة. ويعود تاريخها إلى يوم الخميس 3 جمادى الأولى 1012 هـ.

496 ـ وثيقة تنبيه بضرورة العمل من الصباح إلى العصر، وتعود إلى يوم الأربعاء 2 رجب 1013هـ.

44 . طائفة القهوجية.

543 ـ وثيقة تنبه على القهوجية عدم استخدام الأولاد المرد لإسقاء القهوة.

46. طائفة المبيضين والنحاسين ـ تبييض النحاس.

47. طائفة المزينات.

566 ـ وثيقة تعيين الحاجة أصيل بنت عمرو الصيعري والحاجة نبوية. وتعود إلى يوم الخميس 8 صفر 1068هـ. وجاء فيها:

" كما اتصل بمسامع مولانا الحاكم الشرعي، الموقع أعلاه، حسن سلوك كل واحدة من الحاجة أصيل بنت المرحوم عمر الصيعري والحاجة نبوية، ومعرفتهما بتعاطي زينة النساء ومصالحن وتمشيطهن، دون غيرهن من النساء، واقتضى الحال إلى تعيينهما ونصبهما بطلبهما لذلك واستخار الله، مولانا الحاكم الشرعي كثيرا، واتخذه هاديا ونصيرا، ونصب كل واحدة من الحاجة أصيل والحاجة نبوية.

وقد بلغت جملة الطوائف اثنتين وخمسين طائفة، وبلغ عدد الوثائق 677 وثيقة. وقد ذيّل المحقق كتابه بالفهارس العامة من أعلام وأماكن ونماذج لبعض الوثائق والمصادر والمراجع التي أفاد منها في تصنيف هذا الكتاب.

     وبعد،

     فإن لهذا الكتاب أهمية بالغة، وذلك من حيث إنه يؤرخ لمدينة القدس من باب، ويؤصل كثيرا من الحرف والمهن من باب آخر. ويوضح ما كان من شأنها في القرون الأربعة الأخيرة، فهناك وثائق تشير إلى أن الصابون كان يصنع في فلسطين ويصدر عبر البحر الأبيض المتوسط. وتشير وثيقة إلى أن القوم كانوا يهتمون بزينة النساء، وتخصيص موظفات لهذه الغاية، وأن اختيارهن كان يتم استنادا لشروط ومواصفات معينة، كحسن الخلق، وإتقان الحرفة.

     وأخيرا، فقد لا أكون مبالغا إن قلت إن من يستعرض الوثائق التي تضمنها هذا الكتاب سيجد نفسه في حواري القدس وأزقتها وفي أسواقها الشعبية، تفوح منها رائحة التاريخ، ممتزجة برائحة البخور، وبضائع العطارين، وأصوات المزاهر والدلالين.

معلومات توثيقية