عبد اللطيف عقل ذلك الفلاح المثقف الحر

yahyaj's picture
Year: 
2009

عبد اللطيف عقل

ذلك الفلاح المثقف الحر

في ذكرى رحيله

أ.د. يحيى جبر

 

        مات عبد اللطيف عقل عندما أدرك أنه كان ينفخ في قربة مخزوقة، عندما أدرك أن أهل " البلاد التي طلبت أهلها لم يعودوا يطلبونها " وإن ذرفوا الدموع، وأجهشوا بالبكاء، حتى آثر بعضهم أن يخرج من المسرح.

 

        مات عبد اللطيف عقل عندما تبيّن له أن الحجر لم يعد قنطاراً في مطرحه، واكتشف أن ما كان يظنه حجراً ما هو إلا قطعة إسفنج مموهة.

 

        مات عبد اللطيف عقل عندما دُقّ آخر مسمار في نعش " القضية الفلسطينية التي كنا نظنها لن تموت حتى تتكلل جهود المنادين بحلها وفقاً لما كانوا يطرحونه، ولما يهواه الذين ضحّوا من أجلها بالدم والمال، وعاشوا أحلامهم على إيقاع أغاني الثورة ".

 

        مات عبد اللطيف عقل عندما رأى طوابير العمال الفلسطينيين يطردون من بعض الدول العربية ليجدوا أنفسهم مضطرين للعمل عند جلاّديهم ومحتلي أرضهم ... محققين بذلك مقولة موشي ديان " لأخلّي الفلسطينيين من الفرشة للورشة ومن الورشة للفرشة " التي زاد عليها بعضهم عبارة " ديك مطروش ما يعرف إشي " - يعودون مساء منهكين وفي أيديهم سقط المتاع يلولحونه ... بعد أن كان أشقاؤهم منذ حين يرددون " روّحنا عل قواعد روّحنا بالدكتريوف والآربي . جي لوحنا ... ".

 

        مات عبد اللطيف عقل دون أن ينجح في تحطيم شيء من العلاقات الظالمة التي تسود مجتمعنا مما اكتوى بناره هو وغيره من أترابه؛ أجل مات، مات عبد اللطيف عقل وهو يلعن كل من قبل لنفسه أن يكون ذيلاً لغيره، وما أكثر ما كان يردد عبارة " fax it  " مخاطباً الأذناب، أو متندّراً، يعني " أرسل تقريرك عبر الفاكس ".

 

        عرفت عبد اللطيف عقل قبل أن ألتقيه؛ من حديث قريبه الدكتور إسماعيل عقل – كنا معاً في جامعة قاريونس ببنغازي أواخر سبعينيات القرن الماضي – ثُمَّ عرفته عن كثب في جامعة النجاح الوطنية. ولكني عرفته أكثر عندما جمعنا العمل في جامعة القدس المفتوحة بعمان أثناء الانتفاضة الأولى، حين اضطرتنا سلطات الاحتلال إلى مغادرة البلاد .. عملنا معاً في دائرة تطوير المواد التعليمية والإنتاج.

 

        لم نكن لنتفق في كثير من الأشياء، كان مكتنفاً بشيء من الغموض، وكانت لحيته الكثيفة الطويلة تسهم في ذلك. ولكنه تجلى على حقيقته، وتكشفت لي شخصيته النقية عندما اشتركنا معاً في إعداد بحث لمجلة " صامد " بعنوان " واقع الطفل الفلسطيني في ظل الانتفاضة " وقدمنا صورة شفوية لذلك الواقع لمندوب جامعة لوفان البلجيكية.

 

        وظهر عبد اللطيف عقل – رحمه الله – أوضح ما يكون في تمثيلياته التي قدمت على مسـرح المركز الثقافي الملكي بعمان، وخصوصاً " البلاد طلبت أهلها " والحجر في مطرحه قنطار " وأذكر أن الناس كانوا يقبلون عليها كالجراد، كانوا يبكون، وبعضهم لفرط بكائه كان يضطر فعلاً للخروج ... لقد أحدثت مسرحياته ضجة كبيرة في عمان 89-1991 وفي اعتقادي أنها لو استمرت لأحدثت حركة شعبية عارمة، ولذلك كانت قوات الأمن تحاصر الموقع تحسباً لما يمكن أن يقع.

 

        مات عبد اللطيف عقل، أجل مات، عندما ماتت " الأمة " التي كان يراهن عليها ... ولكنني أقول له في مرقده الأبدي ... أبشر عبد اللطيف، فها قد ظهرت أمة جديدة، وها بيارق الظفر تلوح من بعيد، وتلك كتل الليل تنكفىء وتضمحل تدريجياً؛ لكن على عجل.