حركة التعريب لماذا تتعثر

yahyaj's picture
Year: 
2009

حركة التعــــــــــــريب

لماذا تتعثـــــــر ؟

 

                                     أ. د. يحيى عبد الرؤوف جبر     

رئيس مجمع اللغة العربية الفلسطيني 000 بيت المقدس

                             

                              استاذ علم اللغة بجامعة النجاح الوطنية

 

      تنتشر في الوطن العربي مؤسسات كثيرة تعنى بالتعريب والترجمة وتنسيق الجهود العربية في هذا المجال ، ولكن المؤسف حقاً أن تتعثر جهود التعريب وتأتي النتائج مقصرة دون الآمال تقصيراً فادحاً ، فاذا بطوفان اللغات الحية الأخرى يطغى ، ويستفحل امرها ، فكأن الجهود المبذولة - على ضخامتها - تجذيف في عكس اتجاه التيار وصرخات في وديان  سحيقة 000 مما يستدعي أن يعاد النظر في الخطط المنتهجة ، وتحليل الاسباب والعلل الكامنة وراء هذا الخلل ، وأن يوضع الأصبع على موطن الداء وإن تعالى صياح المرضى.

      ولن نعرض في هذه الدراسة لماهية التعريب ولا لتاريخه وواقعه ، ولكننا ، انطلاقاً من منهج المقارنة العلمية ، سندور بالحديث في اتجاهين هما : الماضي والحاضر. ففي الماضي كانت تعريب 000 وثمة اليوم تعريب ، ولكن شتان بين نتائج هذا وذاك. فقد تمكن العرب قديماً من انجازات حضارية سامية ، فوصلوا قديماً منها بحديث اسهموا في تحقيقه ورسم معالمه ، وأضافوا الى الحضارات القديمة من فرعونية وسبئية وفينيقية ويونانية وفارسية ورومانية اضافات كثيرة ، ولو لم يقوموا بشيء اكثر من حفظها ونقلها كما هي لكان في ذلك ما يكفيهم فخراً.

      ونتساءل هنا : ما بال العرب اليوم ، وهم اكثر مالاً وولداً ، وهذه معاهد العلم تنتشر في ديارهم - مابالهم لايحسنون هضماً ولا تمثيلاً ، ولا نقلاً ولا تقليداً ، وجهودهم تذهب أدراج الرياح ؟

      وللاجابة عن هذا السؤال يجب علينا أن نمعن النظر في حال الأمة بين الأمس واليوم لنجد الفوارق التالية واضحة وضوح الشمس ، وفي مقدمتها أن الأمة بالأمس كانت " فاعلة " تبادر الى ما تريد وتنطلق من رؤاها الذاتية محفوزة بدوافع ذاتية الى أهداف منسجمة مع منطلقاتها. أما اليوم ، فإن الوضع مختلف جداً ، فالأمة العربية لم تعد تمارس حتى رد الفعل ، واعترى الموات بناها النفسية ، وفقدت زمام المبادرة في جل مناشط الحياة ، كما أنها نادراً ما تنطلق من رؤى ذاتية بدوافع ذاتية 000 اضافة الى انها نادراً ما تحافظ على اهدافها ، وكثيراً ما كانت هي والممارسات على طرفي نقيض 000 وفي هذا ما يكفي لنقول إن عربة مفككة لاتقوى على السير 000 ولو لشبر واحد.

      وقديماً كانت العروبة لغة وديناً وحضارة ، ولاتعدم قدراً من نقاء عرق وأصالة أرومة، بينما العروبة اليوم لهجات شتى تحاصر اللغة ، وتنازعها دورها ومكانتها في مناشط الحياة المختلفة ومذاهب دخيلة وفلسفات حياة ورؤى وافدة ، اضافة الى مدنية عالمية دورنا فيها ما نجتره من امجاد السلف في بناء الحضارة البشرية ببعديها المادي والروحي ، الى جانب ما نستهلكه من منتجاتها دون أن يكون لنا دور في صنعها أو محاولة جادة للتعويض عنها أو توليدها في الوطن. أما ما قد يقال عن نقاء العرق فتلك مسألة يقوضها عجز المعنيين عن تحديد من هو العربيّ ؟ أهو من يتكلم العربية على رأي كان قديماً ؟ وبهذا يكون " اسحق نافون " و " مناحيم ملسون " ومعظم المستشرقين عرباً.

      أهو المسلم ؟ فيخرج بذلك قوم ويدخل في اطارها آخرون ؟ أم هو من كان جده قحطان أو عدنان ؟ ومن لنا بمعرفته وقد خلت دونهما القرون ؟

      بعبارة أخرى ، لقد كانت العروبة قديماً صبغة قوامها لغة ودين وانسان فاعل ، فتلونت بها حضارة الأزمنة الماضية 000 بفعل ما كانت تبعثه تلك المقومات في النفس من حمية، أما اليوم ، فقد خبت الحمية ، نظراً لما اعترى العروبة من وهن وضعف ، فاذا بالصبغة لا تكفي للتلوين الحضاري ، وطغت عليها الاصباغ الاخرى ، وبدأ بذلك عصر البيات الشتوي ، فدب الموات في أعضاء الأمة ، ولحق ذلك مناشطها.

      مما انعكس على حركة التعريب وغيرها. اذ نستطيع ان نقول ان الذي غدت به حاجة الى التعريب هو الأمة ذاتها ، حتى اذا ما تعربت تعرب كل شيء دون كبير عناء.

      ويمكن رصد العلل الكامنة وراء الواقع الذي تحياه حركة الترجمة والتعريب في الوطن العربي في النقاط التالية :-

 

1.    تدني مستوى التنسيق

            فمع تقديرنا العميق للجهود الضخمة التي يبذلها مكتب تنسيق التعريب

            في الرباط ، والمؤسسات الرديفة من مجامع وجامعات ومراكز ابحاث ، الا أن عجلة المتغيرات التي تقتضي فتق ابعاد حركة الترجمة والتعريب تدور بسرعة فائقة حتى لكأنها تسخر مما نحاول ، وتدعونا لتكثيف الجهود بشكل انتحاري  (Kamakaizi)  ، فتوضع لهذا الغرض خطة طموح ، تختصر الزمن ، وتجسر الهوة فلا تلقى الرحال حتى تنجز المهمة. وهذا يتقتضي أن يعاد النظر من حين لآخر في آليات العمل العربي ، ذلك الذي كثيراً ما يتعثر بسبب التدابرالسياسي. وفيه ما يقودنا الى النقطة الثانية.

 

2.    عدم المتابعة

            إن المنجزات الحميدة التي تحققها المعاهد والمؤسسات والمحافل العلمية ومؤتمرات التعريب المختلفة جديرة بالمتابعة ليس الى أن يطمئن المعنيون الى وصول توصياتها الى الجهات المعنية في الوطن العربي وحسب ـ ولكن الى أن يصار الى ترجمتها عملاً تطبيقياً ، ومسلكاً يلتزم به المربون والمحاضرون ، وأثراً ينعكس في النصوص دون مزاحمة من دخيل.

            كما يجب أن تتواصل المتابعة حتى يجتث الاصطلاح العربي نظيره الأعجمي من اللهجات الدارجة علاوة على لغة الدرس والبحث ، وهذا عمل يتطلب جهوداً كبيرة على مستوى الباحثين وأهل القرار السياسي ، لما في هذا القرار من حسم وإلزام.

            وأقتبس هنا من مقالة أحمد شحلان في افتتاحية العدد السابع والثلاثين من مجلة اللسان العربي اذ قال " ولا يكفي في هذا التعريب وضع المصطلح ورصده في معاجم مختصة ، بل يجب أن يستخدم في مختلف جوانب الحياة بعد أن تتلقفه مؤسسات التعليم في كل مراحل التعليم ، وبعد أن توليه دور البحث ومراكز الاختبار ومظان الاستعمال ما يستحق من عناية ، لينفذ المألوف من حياة الناس بعد ذلك ".

 

3.    التأخر في وضع الاصطلاحات ، وعدم مواكبة حركة التغيير وانتاج التقنيات

            وينجم عن ذلك أن موضوع الاصطلاح ، فكرة كانت أم مادة أم تقنية 000 يصل الينا، ويشغل حيزاً من حياتنا اليومية مقروناً باسمه في هذه اللغة او تلك قبل أن يدخل مختبرات المجامع ومنتديات التعريب ، فتكون النتيجة شيوع الاصطلاح الأجنبي وتخلف البديل العربي الذي يجيء متأخراً سنة أو أكثر بعد دخول موضوعه أرجاء الوطن.

            وهذا يلقي بالمسؤولية على عاتق المستوردين والوزارات التي تسمح بدخول السلع ونحوها قبل عرض الأمر على الجهات المعنية باللغة (المجامع والأكاديميات) على نحو ما تعمل به بعض الدول التي تحترم لغاتها وتحافظ على نقائها ، كفرنسة وايطالية.

      ونعتقد أن ضبط هذه الآلية يؤدي الى تحقيق نسبة لابأس بها من النجاح في امتحان التعريب : كما يتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن ذلك المختصون في العلوم التطبيقية والتجريبية التي تشهد ثورة جامحة في البلدان المتقدمة ، دون أن يحققوا في الوطن العربي ما يوقف مسلسل الاحباطات المتوالية ، وقد نجد لعلمائنا عذراً في نقص الرعاية التي تقدمها الدول ، وشح المخصصات المادية لبرامج التطوير ، غير أن ذلك لايعفيهم من المسؤولية لأنهم لايعدمون وسيلة إن هم استجابوا لما تقتضيه التحديات التي تجابهها الأمة ، وفي موارد الطبيعة ما يصلح لذلك.

 

4.    خروج ثورة المعرفة عن اطار السيطرة

            ويتمثل ذلك في ما يلي :-

‏‌أ‏.          تعدد جهات انتاج المعرفة والتقنيات ، وانتشارها في بلدان مختلفة ، من اليابان شرقاً الى امريكا غرباً ، دون أن يكون بينها تنسيق أو ميثاق ينظم اعمالها ، بل على العكس من ذلك ، اذ يستشري بينها التنافس ، ويشتد السباق حمى وعنفواناً. سواء في ذلك الدول والشركات والمؤسسات والافراد.

‏‌ب‏.    تحوّل وتيرة التوسع في توليد المعرفة والتقنيات من نظام يستند الى التراكمات الكمية المكتسبة الى ما يمكن أن نترجمه بمتوالية هندسية تفوق التصور ، مما أدى إلى ما يصح أن نسميه بـ " سبق الانسان نفسه " وهذا ما أردناه بالخروج عن اطار السيطرة.

            ويترتب على ذلك شعور بالاحباط لدى كل من المواطن العادي والعالم الخبير ويجعل الجهود المبذولة دون ما تقتضيه المعادلة الجديدة. ومما زاد الطين بلة ، ما يجده " المستهلك " في تدني اسعار التقنيات المستوردة قياساً بما يمكن أن يكلفه انتاجها محلياً - من تسويغ الاستمرار في استيرادها بدلاً من توطين المعرفة وتوليدها وانتاج التقنيات محلياً. وكأن لسان الحال يقول : هذا قدركم 000 ايها    الشرقيون 000 أو الـ  (Saracens).

‏‌ج‏.          وقد يكون في اصرارنا على انتهاج سنن الغرب في مضمار التطور والاقتداء بهم عامل يفقدنا المقدرة على الامساك بطرف حبل النجاة ، فنحن - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - نتبع سننهم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه ، فهم متقدمون علينا طويلاً ، واذا حبونا على طريق اللحاق أو خطونا خطوة أو خطوتين فانهم ، بما أوتوه من ادوات السبق وطول المراس  ، يخطون عشرين أو أكثر ، مما يزيد الهوة بيننا وبينهم اتساعاً. وهذا يستدعي أن نبحث عن منهج تطور مختلف كاليابانيين مثلاً - 000 وأن نعد " مختبراً " تحدث فيه التفاعلات بسرعة اكبر ، وتحدث تغيرات اكثر وأنجع 000 فقد نهتدي عندئذ الى ما يجعل من خطانا كخطى البراق 000 يضع رجله حيث يقع بصره من الأفق.

5.          التواصل مع الخارج بشكل غير منظم

            من الاسباب التي تؤدي الى تعثر " مشروع التعريب " واضطراب نظامه كثرة النوافذ التي تهب من خلالها رياح التهجين وعدوى التفرنج القشري. بسبب سياسة الانفتاح التي تتبعها الدول العربية كافة ، لاسيما أن كثيراً من الافراد الذين يتعرضون لهذه المخاطر ، أو يسهمون في نقل العدوى هم ممن لم ينضجوا في حِمى اوطانهم ، اذ يغادرون الى الخارج قبل أن تتبلور شخصيتهم الوطنية فكرياً وثقافياً. وليس شرطاً أن يتم ذلك بمغادرة الوطن اذ أن كثيراً من أجهزة التلقيح الحضاري تتخذ طريقها الى المنازل دون رقيب كأجهزة الاعلام والدعاية والمصنوعات وغيرها من الأجهزة. ويعد الدارسون في الخارج الا قليلا منهم - في طليعة المصابين أو ناقلي العدوى ، وقد يكون الأمر محتملاً حين تتم الاصابة بشكل عفوي غير أن من القوم من يرضى لنفسه أن يكون عرّاباً ، ويأخذ على عاتقه مهمة التشويه ، ورمي العربية بالقصور ، ويصر على التدريس باللغة التي تعلم بها في هذا البلد أو ذلك.

*****

            وقد يطول بنا الحديث عن العلل التي تكمن وراء تعثر مشروع التعريب ذلك أن المسألة متصلة بالأمة بأسرها ، ويتسع مداها في الزمان والمكان ، وتدخل في حيثياتها عوامل شتى ، غير أننا نرى في ما تقدم ابرز العلل ، التي لو عولجت لتغير الواقع تغيراً كبيراً.

      ومهما تكن من حال ، فان ثمة عاملاً يصح أن نطلق عليه اسم العلة الكبرى وهو ضعف الحمية الوطنية لدى الانسان العربي المعاصر ، هذه الحمية التي من شأنها أن تؤجج في صدره ناراً لا تخمد حتى ينجز مشروعه الحضاري ، لولا انها كما قال الشاعر العربي قديماً :

      لقد أسمعت لـو ناديت حيـــاً                 ولكن لا حياة لمن تنادي

      ولو ناراً نفخت بها اضاءت              ولكن أنت تنفخ في رماد

وقد يقال هنا بل أننا أحياء ، وهذه نارنا تستعر ، فنقول ما قال ابن الفجاءة :

      وما للمرء خيــر في حيـاة                   اذا ما عد من سقط المتاع

      أجل ، انها حياة ، ولكن شتان بين حياة واخرى ، بين حياة من يصنعون الحياة 000 وحياة من تُصنع لهم الحياة وبين من يوقد ناره بنفسه ، وبين من توقد له النار 000

 

كيف نتعــرّب

      للاجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نتحسس الفوارق بين ما يجري اليوم في معاهد العروبة ومصانع أصباغها وبين ما كان يجري من ذلك بالأمس حينما كان زمام الأمور       - أمورنا على الأقل - بأيدينا.

      كلنا ندرك تمام الأدراك أن الانسان يولد على الفطرة ، صفحة بيضاء ، يأخذ في تلوينها كل من الوالدين ومن يقوم مقامهما من شارع واجهزة اعلام وتعليم وغير ذلك ، ومصداق ذلك قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " يولد الانسان على الفطرة فأبواه اما يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " مما ينسجم مع الصورة القرآنية للانسان اذ يخلقه الله من بطن أمه لايعلم شيئاً ثم يجعل الله له سمعاً وبصراً وفؤاداً ، تمكنه من اكتساب المعرفة تدريجياً، هذه المعرفة التي تشكل مع تقادم العهد خلفيته الثقافية التي يصدر عنها ، ويكون لها الدور الاساس في توجيه سلوكه ، وتلوين ثقافته وتحديد صبغته ، فيكون بذلك هندوسياً أو مسلماً أو بوذياً أو 000

      وندرك أيضاً ، أن كل ما كان يتلقاه الانسان العربي قديماً ، يوم كان سيد نفسه ، يصدق ظاهره باطنه ، هو ناتج محلي أو معاد تصنيعه محلياً ، فلا يرى فيه أثراً لأجنبي ، ولا عامل سطوة دخيلاً ، بعبارة اخرى : تكون المدخلات محلية ذاتية ، فتكون المخرجات منسجمة مع الذات ، وتعمل على تعضيدها وتثبيت صبغتها.

      فما الذي حدث إذاً ؟

      قد لا أرى بي حاجة الى التذكير بما أصر عليه اللورد كرومر المندوب الانجليزي في مصر ، في مذكراته ، من ضرورة قيام بلاده بخلق جيل في مستعمراتها ينتمي لبلاد باسمه ولسانه بينما ينتمي لاوروبة بمناهج تفكيره 000 ذلك احتساباً لما كانوا يدركونه من أن جنودهم سيرحلون عن المستعمرات مختارين أو مضطرين.

      ولا بما قامت به الارساليات الاجنبية والقناصل الغربيون قديماً من التركيز على       " المدرسة " والمرافق الثقافية من جمعيات ونواد ونحوها مما له دور رئيس في تنميط الحياة وصياغتها.

      ونذكر في المقابل جهود المخلصين من أبناء الأمة الذين جابهوا المخطط الغربي الذي يستند الى فكر تاريخي ورؤية مستقبلية لما يريدون للمنطقة العربية أن تكون عليه - أعني عودتها للامبراطورية الرومانية التي بسطت نفوذها على ضفاف المتوسط الجنوبية والشرقية يوماً ما ، ذلك بما هم وريثها الشرعي الوحيد ، وقد فشل ذلك الرعيل في صد الهجمة ، على الرغم من اخلاصهم ، ورسوخ ايمانهم ، ويعود ذلك الى تمزق شمل الأمة وضعفها ، الى جانب ما جره عليها بعض قادتها من المصائب والعلل بما اختلفوا فيه.

      أجل ، كان المخلصون " يريدون ، ورغم تمزقاتهم ، تحديث مجتمعهم ، وكان هذا التحديث بالنسبة لهم عملية شاملة ومترابطة تبدأ من اللغة وتنتهي بالفرد ومغزاه الانساني مروراً بكل المستويات ، ربما لم يتوفر هذا الشمول لديهم جميعاً ، لكن بعضهم امتلك هذه الرؤية الشاملة وعمل كالملهم على تحقيقها " قضايا وشهادات ". (الحداثة - النهضة - التحديث - القديم والجديد ، عدد 2  صيف  1990 ص  20).

      نعم نذكر الطهطاوي وعبد الله النديم ومحمد رشيد رضا وشكيب ارسلان وخير الدين التونسي و " شوقي وحافظ " وغيرهم ، ولكننا في الوقت نفسه ندرك ما اعترض جهودهم وقوّضها ، وجعل منها آمالاً واحلام يقظة لمن جاءوا من بعدهم ، وما تزال وتيرة الافلاس تتوالى على نسق مطرد ، لأن معظم كوادر الدولة العربية الحديثة سائرة في ركاب الارساليات والجامعات الغربية حتى تجاوز التفرنج لبس القبعة على الرأس الى السلخ الحضاري والتلبيس ، لدرجة أن البعير صار لا ينكر اعوجاج رقبته ، ذلك بما ألفه واعتاد عليه.

      وينعكس الواقع بكل ابعاده من سلبية وموجبة ، على اللغة ، لأنها مادة الثقافة والعلوم ، ووسيط التواصل الاجتماعي فالمشكلة اذاً تكمن في عملية التصنيع الثقافي والانقياد لادوات صياغة الحياة الغربية مما أفقد " العربي " كثيراً من مقومات الشخصية وعناصر الهوية ( اللغة والدين والحضارة و 000) فانعكس ذلك كله على اللغة ، وعلى موقفنا منها ، فرميناها مرة بالقصور ، واسندنا اليها علة التخلف ، ووضعناها في قفص الاتهام ، مما جعل حافظ ابراهيم والمازني وغيرهم يهبون للدفاع عنها ، بينما الصحيح والأَولى هو أن نوضع نحن في قفص الاتهام ، لأن اللغة لاتملك لنفسها ضراً ولانفعاً.

      وينبغي علينا أن نتعرب أولاً ليتعرب كل شيء ، وذلك شأو بعيد يقتضي المراجعة الشاملة لمسيرة الحياة العربية من عناصر صياغتها الأولية ، الى موجِّهاتها من مدرسة وأجهزة اعلام ونحوها ، الى توحيد المنطلقات صدوراً عن التراث ، الى تحديد للقيم العليا التي ينبغي أن نوظف الحاضر والمستقبل لتحقيقها.

      ويرى صالح الخرفي : " أن مشكلة التعريب وجه من وجوه التغريب والتبعية التي تعانيها شعوب العالم الثالث في جوانب حياتها ، وان الغريب يساوي التقدم ، وانه لاسبيل الى اقتحام المعاصرة التكنولوجية الا باستنبات العلم في اللغة العربية وتوطين الثقافة ، وأنما يبدأ ذلك كله من التعليم والبحث " (المجلة الثقافية ، المنظمة العربية للتربية والثقافة والاعلام ، السنة السادسة ، العدد 11 ، ذو الحجة 1406 ، سبتمر " ايلول " 1986 ص 7).

      ونوافقه الرأي من باب أن التعريب اقتراض وشهادة بالعجز عن الابداع ، وهو بهذا علامة على التبعية ، ومظهر من مظاهرها. ولكنه ضروري للحاق بالركب ووسيلة رديفة على الطريق ، وهو عملية ترقيع باهظة التكاليف ، تأخذ بها الأمة ريثما تتمكن من توليد العلم وانتاج التقنيات ، ومواكبة العصر.

 

 

 

باختصــــار :

      إن مشروع التعريب على الرغم مما يترجمه من معاني التخلف والتبعية ، يسهم في التعجيل بالانتقال الى أبعاد جديدة ، وآفاق ارحب على طريق إنجاز المشروع الحضاري الشامل. وهو لايحقق كل ما يرجى منه ، ذلك بما يتعرض له من مشكلات ، ولهذا يجب أن يمضي العمل العربي على مسارين هما :-

1.          احكام خطة مشروع التعريب لتأتي نتائجه على قدر ما يبذل فيه ، ووفقاً لمقتضيات       التغير.

2.          العمل بجد وحزم ، على استنبات العلم وانتاج التقنيات محلياً ، مما يقتضي مراجعة       النفس على المستوى القومي ، وتحسس مواطن الخلل ومعالجتها.

 

      وبهذا يتم التكامل بين مشروع التعريب من ناحية ومشروع توطين العلم وانتاج التقنية من ناحية أخرى ، ومن يدري ، فقد يتوصل علماء الأمة وخبراؤها إلى رؤى وأبعاد جديدة مما لم يخطر للغربيين ببال ، فنتبوأ الصدارة من جديد ، ونستأنف ما كان من مجد السلف.

page  8

 

 

 

 

prxإ[1]€ƒإ[1]„إ[1]ˆٹ‹‚.ŒئA€°²\[1]ب
ث
ف
ك
ôُ[1]
يًüŒڈزشٌôِيهـستء¸¯¦‌”‹‚ypg^ULC:P


 P
 
@
 P
 P
 P
 
@

 P
 P
 P
 
@

 [1]`
 [1]
 

@

P
P
P

@

P     @
P
(إئذW­Y­Z­[­z­}­‍$%T%ٹ%'&5&m*ƒ*‹/Œ/‘/’/ِينغزةہ·®¥œٹپxof]TKB9
 
@

 
 
@

 P
 
@

 P

 @

 P
 
@

 P
 
@

 P
 P
 P
 
 P
 
@

 [1]
 
 
@

 P
 
’/™/
ڑ/y7ˆ7•8–8î8ï8k:l:r:s:t:u:{:}::ِينغزةہ·®«¨¥¢ںœ“گ 
@  [1]  [1]  [1]@
 
 
@

 
 
@

 P

 @

 
 
@

 ڑ°²ص[1]/[1]\[1]^[1]: 4ي]   ر
Q

إ

 

Z
ئ

ب
ك
يC‑ٹŒش

êïٌ2I:س}­¯"¶"ھ#‍$ص$%T%ٹ%%&'&ùùٍëنففضضضضضجججإإإ»»»»»»»»»»»»»»»»±±±±§‌“‰‰‰‰‰‰‰     ‏2    ئے:2  ‏2       ‏2    ه‏2  آ 
‏2  ‏2 2      ئ
ے:2 2222 221'&5&ï&H)m*ƒ*¤+W,,. /{1¥3أ4a6s7u7w7y7ˆ7“8ى8w9y9k:w:y:{:}::ِِِِِِِِِِِِِِِِِِِىىىâ×ذذة؟      ئے
:2[1]2ٍ2
ٍüے`2   ئے:2 ه‏2      ئے:2

ےےےےےےےےےےےےے%ےےےےےےےےےےےےےD      +ٍ[1]9r [1]ےےےےےےےےےےےےے      ٍقے8:€:‑€:!eTimes New Roman    `Symbol ArialMonotype KoufiSimplified ArabicTraditional Arabic      ‏8!ے"[1] €ذ[1]شrْƒ{ْ}
BELL