تشاد ... عربية

yahyaj's picture
Published at: 
موقع جامعة النجاح الإلكتروني
Year: 
2009

تشاد ... عربية

 

 أ.د. يحيى جبر

 

        تداولت الفضائيات والصحف في الأيام الأخيرة اسم بلدة في شرق تشاد تدعى (كوزبيدا) وبعض المحطات فسرتها بأنها تعني: الرمل الأبيض. قلت: اسمها عربي مركب من مقطعين هما: قوز، وتعني الكثيب الصغير إذا كان حَسَن الاستدارة، وقد شبهوا به أرداف النساء قديما، واللهجة العربية السائدة هناك تقلب القاف جيما قاهرية، وهي لهجة البدو العرب في الخافقَين، فإذا بقوز تصبح جوز باللهجة المصرية.

         والمقطع الثاني بيضاء، بإسقاط الهمزة تخفيفا، وإخراج الضاد من مخرج الدال، دون إطباق، وهذا جعل بعضهم يتصور أنها (بيداء) بمعنى صحراء، ومن المغري بذلك أن البلدة تقع فعلا في بيداء طامسة، وهذا المركب إضافيّ لا وصفيّ، وأعتقد أن كلمة ثالثة قد سقطت منه، وهي الرملة، فكأنّ الأصل: قوز الرملة البيضاء، فاعتراه مع الزمن من أسباب التعرية اللغوية ما اعتراه، فإذا هو قوز بيضا.

         ومن الرمال أبيض، وأصفر، وأحمر، وغير ذلك، ولعل في أكناف البلدة أو كان في موقعا قوز رمله أبيض. وربما وصف العرب الرمل الأبيض بالضائن، والنعج، وهما من الضأن والنعجة، كقول شاعرهم في ثور وحشي ألجأه البرد:

إلى نَعِج من ضائن الرمل أهيَلا

العرب في تشاد:

        دخلت القبائل العربية تشاد جراء عاملين:

·        عامل طبيعي يتمثل في انسياح القبائل العربية جنوب الصحراء الكبرى طلبا للماء والكلأ، ولا سيما أنهم جميعا يعتمدون على الماشية؛ يشهد بذلك في دار فور وكردفان إلى الشرق من تشاد مباشرة قبائل البقّارة والأبّالة والكبابيش؛ نسبة لنوع الأنعام التي يربونها، ولهم امتداد في تشاد، وقد تغلغلت القبائل العربية إلى أواسط إفريقية منذ وقت مبكر بعد الإسلام؛ فهم في النيجر والسنغال وتشاد وإفريقية الوسطى وكينيا وتنزانيا، بل لقد كان جزء من تنزانيا، أعني زنجبار، جزءا من سلطنة عُمان حتى عام 1964م، عندما أقدم جوليوس نيريري  حاكم تنجانيقة آنذاك على اقتحامها ودمجها عنوة مع بلاده فتشكل منهما ما يعرف اليوم بتنزانيا، يومذاك قتل من العرب أعداد كبيرة. وقبل ذلك كان ابن جمعة الملقب ب "تيبوتيب " قد نجح في تأسيس أمارة عربية إسلامية في الكونغو التي كان يتردد عليها متاجرا بالملح، ولكنها لم تلبث طويلا إذ قضى عليها الإنجليز والبلجيك عام 1905م.

·        عامل الظلم والطغيان الذي كان يمارسه بعض حكام المسلمين ضد الأشراف وآل بيت النبي صلى الله عليه وآله، فكانوا يُضطرون إلى الرحيل إلى أطراف الدولة الإسلامية، فرارا من بطشهم. وفي الآونة الأخيرة وُجهت دعوة للأشراف بالظهور والإعلان عن أنفسهم، وأنه قد حان لهم أن يظهروا من جديد، لا سيما أن ما يسود بعض البلاد من هامش للديموقراطية يعطيهم شيئا من الأمان. وقد التقيت بعضا منهم ومن الأنصار في بلدتي غات وتونين في أقصى الجنوب الغربي من ليبيا أوائل سبعينات القرن الماضي، في حاشية الصحراء الكبرى... ما زالوا يحتفظون بانسابهم وأسمائهم.

        وفي تشاد اليوم أخلاط من العرب، قدموا من السودان وليبيا، ولا سيما إبان الغزو الإيطالي لليبيا، حين اضطر كثير من الليبيين إلى الفرار من بطش الطليان، ومنهم من قدم من غرب إفريقية. ومن أشهر قبائل تشاد: الفور والزغاوة وهما تنتشران في الصحراء الواسعة التي تمتد بين السودان وتشاد من شمال البلاد إلى موقع متقدم نحو الجنوب، ومن الأولى جاء اسم دار فور، وعاصمتها الفاشر، وهي تعني بيت الشَّعر الذي يخص زعيم القبيلة.

        وهناك قبائل المسيرية وعرب المحاميد والمساليت، وهذه الأخيرة أبلت بلاء حسنا في مقارعة الفرنسيين عام 1911م حين تقدمت قواتهم من تشاد شرقا نحو السودان، وقد خلّد شاعر إفريقية الكبير محمد الفيتوري بطولاتهم في قصيدة مشهورة له يخاطب تاج الدين قائد المقاومة هناك، ويذكر اقتحامه بسيفه دبابة القائد الفرنسي وقتله إياه، بقوله:

يا تاج الدين

 فوق المدفع بالسيف مشيت

        ومن القبائل العربية الخالصة: القرعان، وأولاد علي وأولاد سليمان والقذاذفة، وهم من أصول ليبية. ولا ننسى أن نُذكّر بما كان للأزهر والحركة السنوسية والطرق الصوفية كالتيجانية والميرغنية من دور في إدخال العرب والعربية إلى تشاد.

انجمينا:

        اسم عاصمة جمهورية تشاد، وكان من قبل في زمن فرانسوا تومبلباي، وحتى عهد جوكوني عويدي الأول " فورت لامي " أي قلعة الجنرال الفرنسي لامي، ثم غُيّر ليصبح انجمينا في عهد عويدي الثاني وإلى اليوم، ومعنى الاسم: اجتمعنا، وقد كان ذلك التغيير تعبيرا عن رفض حقبة الانقسام والصراعات الداخلية ؛ ولا سيما في عهدي عويدي وحسين حبري. وكان لليبيا دور بالغ في توجية الحركة الحضارية في تشاد بعد ثورة الفاتح من سبتمبر 1969م.

        وتتالف كلمة " انجمينا " من انجمَّ بمعنى اجتمع، و"نا" المتكلمين. واشتقاق "انجم" من الأصل الثلاثي " ج م م " وكل جيم تليها ميم فهما لعلاقة بالاجتماع والتجمع. ومن هذا الأصل: جم الماء في البئر إذا اجتمع فيها مجددا بعد نضحها، ومنه جمة البئر، وهي لجتها وحيث يكثر ماؤها، والجمة حلقة "المارينز!" وكأنهم أخذوها عن البدو العرب، إذ يحلقون للطفل أطراف شعره ويتركون شعر وسط الرأس والقَمَحدُوة على حاله. ومنه الاستجمام، وهو استجماع للراحة واسترجاعها بعد تعب وعناء……………..وللحديث بقية