أعضاء جسم الإنسان

yahyaj's picture
Year: 
2009

أعضاء جسم الإنسان من مصادر لغته

                                                                                                       أ.د. يحيى جبر         

                                                                                   أستاذ علم اللغة في جامعة النجاح الوطنية

                                                                                                                           

          من آيات الله اختلاف الألسن و الألوان ،وفي كل لغة من المفردات ما يشهد بدور أعضاء البدن في تزويد اللغة بالمفردات الدالة على الأنشطة التي تؤدى بتلك الأعضاء ،ولعل ما في العربية من ذلك أغزر وأدل مما يناظره في سواها ،لطول تاريخ العربية ، وانتشارها في المكان ،ولثراء تراثها وضخامته .

          وكانت أعضاء جسم الإنسان في المقام  الأول أو الثاني بين الأشياء التي خصص الإنسان لها ألفاظا بعينها، ويتضح ذلك في أنها مع ألفاظ أعضاء الأسرة والمخلوقات اللصيقة بالإنسان تكاد تكون واحدة في اللهجات العربية العاديّة ،أو ما يسمى خطأ بالسامية والحامية .

          ومن عادة الإنسان أن يستخدم الشيء في ما وضع له أصلا ،وفي غيره إن كان صالحا لذلك ،أو كان المتاح الوحيد عند الحاجة إليه ،وأول ما يبدأ به هو الأقرب إليه ، فالعصا _عصا موسى عليه السلام على سبيل المثال _واستنادا إلى ما ورد في القرآن الكريم ، و إلى ما هو معروف متداول _ تستخدم للتوكؤ ،والهش على الغنم ومآرب أخرى كالضرب وغير ذلك .

ولو نظرنا إلى أعضاء الجسم لوجدنا أنها تتفاوت في حضورها في الحياة اليومية والعملية للإنسان ، وتختلف أدوارها وصفاتها ،وعندما احتاج الإنسان إلى مفردات يعبر بها عن مستجدات حياته لم يجد أقرب إليه من أعضاء بدنه .فاستعان بها وراح يولد من أسمائها ألفاظا تعبر عن ذلك على طريق ما عرفه الصرفيون من بعد باسم الاشتقاق من أسماء الأعيان ، ونستعرض فيما يأتي طائفة من الأعضاء تعكس ما تقدم ،وندرج إزاءها ما اشتق من أسمائها .

1_ اليد : وهي الأداة الأكثر استخداما ،وبها تكون القوة ، ومن هنا كانت صالحة لاشتقاق التأييد وأفعاله بمعنى  جعل اليد مع اليد لتحقيق مزيد من القوة على نحو ما نجده في الشام واليمن من قولهم " أربعة اشتالوا الجمل والجمل ما شالهم ".ومن الملامح التي تجسد ذلك ما نجده في قوله تعالى { يد الله فوق أيديهم }بمعنى القوة والقدرة ،ولعل ما كان عليه عرب الجاهلية من وضع الأيدي بعضها فوق بعض عند التحالف دليل آخر .

2_ الساعد : وهو الذراع ، إلا أن هذه مؤنثة  والساعد مذكر ،وهو كاليد ، بما هو حاملها ،ومنه اشتقت المساعدة وأفعالها والأسماء الناتجة عن ذلك ، ومنها السعيد بمعنى القناة التي تجري في الزرع … تمده بالماء كالساعد يمد صاحبه بالقوة ، وسواعد البئر التي تمدها بالماء ، ومنه قولهم "أسعديني بالدمع يا عين "أي زوديني به ، وسعاد وسعدى من أسمائهن .

          وربما كان الأمر حصرا في المساعدة و أفعالها، على أن يكون أصل الاشتقاق من "س ع د "لعلاقة بالإمداد والامتداد على نحو ما يظهر في المعاني الأخرى ، وبهذا يكون الساعد من ذلك لعلاقة بامتداده ،ثم كان منه اشتقاق المساعدة .
3_ العضد : ومنه المعاضدة وأفعالها والأسماء المستخرجة من ذلك ،وللعلاقة نفسها ،ذلك لدور العضد في تقوية الساعد واليد .

4_ الكتف : ومنه التكاتف ،وهو الازدحام للتعاون ، كالتكاثف، وهو ازدحام آحاد الشيء لتشكيل وحــدة ما.والكتف من ذلك لاكتناز اللحم فيه أو لازدحامه إن صح التعبير ، والثاء أخت التاء .

5_العنق : ومنه العناق والمعانقة ؛ نوع من المصافحة يكون بملامسة العنق العنق علامة على مستوى من مستويات الشوق والتداخل العاطفي .

6_الوجه :ومنه الوجهة والجهة والاتجاه ،لأنك إذا استقبلت شيئا وجهت وجهك شطره  وفي اتجاهه ،وفلان وجه قومه ،ووجيههم ،ومنه المواجهة ؛ وجهًا لوجه ، والتوجيه ،والجاه ،ونحوها .                                  

 7 _الأنف :ومنه الأنفة وأفعالها ، ومن صفاته الشمم ،ومنه الصفة أشم والاسم شماء وفيه الخنس ،ومنه الأخنس والخنساء اسمين وصفتين .

8_ العين :و   هي لمكانتها بين أعضاء البدن امتازت بكثير من الخصائص  ، ولها دور عظيم في توجيه اللغة على نحو ما ذكرناه في بحثنا "العين بين العلم واللغة "المنشور في مجلة اللسان العربي التي تصدر في الرباط .

_ومنها عين المستخدمة في التوكيد المعنوي بمعنى النفس .

_ وهذا عين قومه ،وعضو في مجلس الأعيان .

_وعين الشيء ؛حدده .

_وعانه يعينه إذا لقعه بعينه ؛ أي أصابه بها .

9_  الرأس ، ومنه الرئاسة وأفعالها والأسماء المشتقة من ذلك كالرئيس والرأسي والمرؤوس ونحوها .

10_الشَّعر ؛ومنه الشعور ؛لأن شعر البدن يضطرب عندما تحتدم العواطف لا سيما عند الخوف ،وقرون الاستشعار عند الحشرات ،التي تتحسس بها ،تشبه الشعر إلى حد كبير .

وقد يطول بنا استعراض أمثلة من هذا القبيل ،ولكن فيما تقدم دليلا يوضح مدى حضور أعضاء الجسم في تشكيل اللغة ،شأنها في ذلك شأن المخلوقات اللصيقة بالإنسان،كالإبل على سبيل المثال ،إذ أحصي في المعجم العربي ما يربو على ستة آلاف كلمة نقلت من عالم الإبل إلى عالم الإنسان ،وذلك لما كان لها_قديما_ من دور بارز في توجيه الحياة وصياغتها .